ما من شك بأن الحوار هو الطريق الوحيد أمام اليمنيين لمعالجة قضاياهم الشائكة لكل ما أنتجته الصراعات الماضية وتراكماتها المؤرقة التي أوصلت الأمور إلى الأزمة الخانقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. فثورة الشباب التي أطاحت بالنظام السابق لم تستطع أن تأتي بما يواكب هدف الثورة بسبب رداءة المشهد السياسي.. فالمبادرة الخليجية أنقذت اليمن من الانزلاق نحو الهاوية ومنعت حرب أهلية كانت وشيكة الحدوث لكنها؛ أي المبادرة مثلت الحد الأدنى من هدف الثورة وما يطمح إليه اليمنيون، ونجاح المرحلة الانتقالية المسنودة بدعم غير مسبوق إقليمياً ودولياً أعطت حافزاً أكبر لإمكانية بناء الدولة المدنية رغم العراقيل الهائلة التي رافقت مسيرة التغيير التي يقودها المناضل/ عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية، ومؤتمر الحوار الوطني مثل انطلاقة حضارية يعول عليها كخيار وحيد للخروج بالوطن إلى بر الأمان, إلا أن كل المؤشرات التي يفرزها التعاطي الشفاف كتجربة غير معهودة في حياة اليمنيين يؤكد بأن التحديات الصعبة الماثلة أمام المؤتمر لازالت في حكم التجاذب الحاد والقضية الجنوبية تمثل عقدة المنشار.
والمشكلة الحاصلة بوضوح أن الإرادة السياسية القائمة والمتفائلة بقناعات مسبقة محلياً وإقليمياً ودولياً بنجاح المؤتمر بأي شكل قد تكون كابح أعمق لإنجاح العملية السياسية في واحدة من أصعب مراحل التغيير التي لا يجوز معها القفز على إرادة الشعب، وهنا تبرز معضلة حل القضية الجنوبية.. فالحراك السلمي الجنوبي بممثليه لا يملك خياراً آخر غير التمسك بإرادة شعب الجنوب في استعادة الدولة وحق تقرير المصير وهو السقف الذي يتجاوز حدوده المرسومة في المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية.. فالتوافق لا يجدي في حالة بروز الانقسام الحاد والفرز الصريح للاستقطاب الحاصل هو مجرد تخدير والإفراط في التفاؤل بينما الحقائق تسير على الأرض بعكس كل ما هو مخطط له بنجاح مؤتمر الحوار. فالمراوغة السياسية وترويج الوهم لا يحل القضايا بقدر ما يزيدها تعقيداً. فالتصريحات الدائمة لممثلي الحراك التي أعلنها مراراً المناضل محمد علي أحمد لن ترتضي بأي حلول غير استعادة الدولة كاملة السيادة ولا يستطيع عاقل أن يرى أي لبس في هذا الخطاب الواضح, إلا إذا كان هناك من يريد أن يتلاعب ويحتقر عقول الناس إلى هذا الحد من الانحطاط.. لا أعتقد ذلك.
وعلى هذا لا يستقيم الحال أمام نقاش شكل الدولة وطبيعة نظامها السياسي ووضع الدستور المشهد العام يعاني من هذا الالتباس الخطير لما يتجه إليه الحوار في مراحله الحاسمة ولن نستطيع الحديث عن أي نجاحات مادامت القضية الكبرى فيه خارج سياق الحل، والرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي أعطى صورة أعمق للتغيير بقراراته التاريخية بإعادة هيكلة الجيش والمؤسسة الأمنية وتسمية قادة المناطق السبع والوحدات والأفرع على أسس وطنية حديثة وأنهى بذلك حالة الانقسام الحاد الذي حدث في المؤسسة العسكرية مع اندلاع ثورة الشباب..
ومن الأشياء الجميلة التي تحمل معاني طيبة بعض الاختيارات الموفقة وكنموذج لها يأتي اختيار اللواء/ محمد علي القاسمي- مفتشاً عاماً للقوات المسلحة، واللواء محمود أحمد سالم الصبيحي قائداً للمنطقة الرابعة حيث استشعر الناس بأنه فعلاً نموذج للإنصاف والنجاح معاً، وإن كان ذلك شحيحاً في حق الشريك الأساسي الذي قدر به شعباً ودولة ونظام في 7/7/94م هذا التاريخ الذي وأد الوحدة في مهدها وأجبر شعب الجنوب أن يندفع بجنون سلمي نحو تقرير المصير واستعادة دولته التي توفر له العيش الكريم والمواطنة الطبيعية, فإرادة الشعب وحدها من يحدد النجاح أو الفشل لأي فعل سياسي مصيري.
مقبل سعيد شعفل
مؤتمر الحوار بين الحقيقة والوهم 1790