الحمد لله على كل حال، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛
فإن ما جرى ويجري أيها الإخوان الأحباب من مجازر وحشية واعتقال عشوائي وتصفية جسدية خارج إطار القانون لهو علامة واضحة على الطبيعة الدموية للانقلاب العسكري، تكشف عن طبيعة الفتنة التي تمر بها الأمة، وهى تأكيد على طبيعة الطريق (الـم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ* ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ)
إنها حكمة الله تعالى (وجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) وهي فتنة تشتد بقدر إيمان المؤمنين وصدق الصادقين "يبتلى الرجل على قدر دينه"، ولهذا كان الأنبياء أعظم الناس بلاء، ثم الصالحون الأمثل فالأمثل، حتى يتميز المجاهدون من القاعدين (ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)
وهي فتنة يستعمل الباطل فيها كل ما بين يديه من أسباب القوة، أملا في صرف المؤمنين عن الحق، ودفعهم إلى اليأس من النجاح (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) إنها الفتنة التي تشتد وتشتد حتى تتأكد حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين، ويبلغ الغرور مداه بالمجرمين (حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ)
إنها الشدة التي تسبق الحسم الإلهي والنصر الرباني للمؤمنين (حَتَّى إذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ولا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ)
إنها المحنة التي يفرض المجرمون طبيعتها ظنا منهم أنهم الذين يتحكمون في مصائر الناس، فتكون معها النهاية لهذا الصراع بنصر مبين للمؤمنين بإذن الله (وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وخَافَ وعِيدِ)
فاثبتوا أيها الصادقون على الحق الذي جعلكم الله حراسة والمدافعين عنه، وانتظروا فرج الله ونصره، وما هو منكم ببعيد (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)
ولئن بالغ الظالمون في ظلمهم واشتدوا في إيذائهم وتفننوا في كيدهم فإن قوة الله من فوقهم، وإن بأسه الشديد مدركهم لا محالة "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" (وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإلَيَّ المَصِيرُ)
أسأل الله أن يثبت على الحق أقدامنا، وأن ينزل سكينته في قلوبنا، وأن يأخذ بثأرنا ممن ظلمنا، وأن يعجل لنا فرجه، وينزل علينا نصره، إنه ولي الصالحين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
----------------
أستاذ علم الحديث في جامعة الأزهر الشريف وعضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين
د.عبدالرحمن البر
فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين 1186