الطريقة التي تم بها إنهاء اعتصامي رابعة العدوية والنهضة يوم الأربعاء الأسود في الرابع عشر من أغسطس الجاري ، طريقة لا يمكن إلا أن تكون جرائم ضد الإنسانية والبشرية كونها حملت حقدا أسودا ودفين على مناصري أول رئيس مدني ومنتخب لمصر في تاريخها..
وما جرى ويجري في مصر حالياً باعتقادي لا يمكن أن يرضاه أحد ممن لديه ذرة ضمير حي سواء كان مع أو ضد الرئيس مرسي ، وتتحمل السلطة العسكرية الحالية المسؤولية الجنائية والقانونية للمذابح الجماعية والتي تعرض لها مواطنين عزل ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا يدافعون عن أصواتهم وحرياتهم التي خطفها العسكر في الثالث من يوليو الفائت..
الصور الفضيعة والقاسية التي تناقلتها كل وسائل الإعلام المختلفة تتناقض كلياً مع تصريحات وزير داخلية الانقلاب والتي قال فيها بأن الشرطة لم تطلق أي رصاصة في وجه المعتصمون وبأن الشرطة كانت في قمة الانضباط ، فكيف سقط المئات والآلاف شهداء وجرحى، تلك الصور التي باعتقادي لم تنقل عشر معشار ما تعرض له مناصري مرسي لكنها مع قلتها فضحت وعرت وزير الداخلية وسلطات الانقلاب العسكري جملة وتفصيلاً، مقاطع الفيديو المختلفة أظهرت قبح وعهر العسكر ودمويتهم الكبيرة فقد شاهدنا كيف تم استهداف المسعفين وقتلهم مباشرة وهم يحملون الجرحى والشهداء وشاهدنا استهداف الإعلاميين بصورة مرعبة, لأنهم شهود على الجريمة وناقلي الحقائق إلى العالم، صور بشعة لأجساد متفحمة وجثث أشلاء ودماء متناثرة وروائح الموت علت سموات القاهرة ومحافظات مختلفة كل تلك البشاعة تجعل العالم بأسره أمام اختبار حقيقي للضمير الإنساني والمبادي الأخلاقية..
ولعل المجازر السابقة للجيش المصري أمام نادي الحرس الجمهوري ومذبحة المنصة فضحت التواطؤ العربي والدولي مع السيسي ورفاقه القتلة والمجرمون الذين أراقوا وأزهقوا أرواح متظاهرين سلميين، ذلك التواطؤ الفاضح جعل العسكر يتمادون في مذابحهم المتتالية وجعلوا من ميداني رابعة والنهضة أنهار وشلالات من الدماء وما كان ليحدث هذا الحدث الجلل والمروع لولا وجود تورط ورضى كامل من كل القوى العربية والعالمية المؤثرة على الساحة المصرية, حيث لم يبال العسكر بأي تبعات جنائية وقانونية للمذابح التي ارتكبوها جهارا نهارا وأمام أعين العالم، ولم يبالوا بما جرى لوزير داخلية مبارك حبيب العادلي ومبارك نفسه من محاكمات جراء جرائم القتل بحق متظاهري ثورة 25 يناير، رغم أن مشاهد القتل تلك أقل بكثير مما جرى في أربعاء مصر الدامي ولم يرتكب مبارك طوال 18 يوماً من ثورة يناير ما ارتكبه السيسي ورفاقه في خمس ساعات، ولا يمكن أن يقوم العسكر بما قاموا به لولا ضوء أخضر ورضى ومشاركة القوى الخارجية في تلك المذابح ويبدو أنهم أخذوا احتياطاتهم بعدم التعرض لأي تبعات جنائية مهما تغيرت المواقف على الأرض..
وعلى كل فإن ما جرى سيجعل مصر أمام ميلاد حقيقي جديد إما أن تنتصر مصر والديمقراطية نصر مؤزر وإما أن تعود لحكم العسكر خمسون عام أخرى أسوأ من ذي قبل.. ويبدو أن انتصار الديمقراطية هو الأقرب, كون المصريين انتصروا على الخوف وصمدوا لساعات طوال صمود أسطوري خالد بسلمية أرعبت الداخل والخارج.
أعتقد أن القتلة والمجرمين يحملون روحاً واحدة أينما كانوا أو حلوا, إذ أن من شاهد وتابع ما جرى في ساحة الحرية بمدينة تعز يتشابه كثيراً مع ما جرى في رابعة والنهضة بوجود علاقة إجرامية متوحشة؛ إذ أن في الحالتين تم سحق الإنسانية وعدم المبالاة بحق الإنسان في الحياة، فقط اختلف أعداد الضحايا ومساحة المكان الجغرافي ولا يفرق عندي مقتل شخص أو ألف فمن يقتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ، وما جرى في ساحة الحرية بتعز في التاسع والعشرين من مايو 2011م هي هولوكوست مصغرة لهولوكوست القرن الواحد والعشرين في النهضة ورابعة وكل الجرائم التي حدثت لدينا في ساحة الحرية أو حدثت في اعتصامي رابعة والنهضة جرائم لن ولم تسقط بالتقادم وسينال القتلة جزاءهم عاجلا وآجلا وسيظل العار والذل والخزي يلاحقهم وقد قال رسولنا الكريم بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين..
ولذا فإن واجب اللحظة لدى المصريين وأنصار الإنسانية في مصر وكل بلدان العالم الاستمرار في التظاهر والضغط الشعبي والعالمي لعودة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحق في التظاهر السلمي وكذلك الضغط من أجل محاكمة السيسي وكل القتلة الذين شاركوا تلك المذابح، ويتوجب على المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية توثيق ما جرى ويجري وتتبع القتلة والمجرمين لإحالتهم للمحاكم الدولية, مالم فإن سيناريوهات أكثر سوداوية قادمة على مصر وبقية الشعوب العربية والعالمية كتبعات طبيعية للسكوت عما جرى.
محمود الحمزي
هولوكوست القرن الواحد والعشرون في رابعة والنهضة 1501