لا أعتقد أن هناك - من المراقبين - من كان يعتقد أو يظن للحظة أن يتم فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة بتلك الطريقة التي أثبتت لكثير من قطاع الشعب المصري من المنصفين أن ثمة مؤامرة ذات أبعاد كبيرة كانت تحاك بخبث ضد المعتصمين بسبب الدماء التي سالت وما زالت تسيل دون رادع من دين أو عرف أو أخلاق من قبل البيادة العسكرية المصرية التي ما زالت حتى اليوم موغلة في دماء أبنائها لتسقط نظرية أن الأسد لا يأكل أولاده التي كان ينظر لها قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي.
حرب وأقذر ما فيها أن الجيش استخدم فيها أساليب لا تخطر على عقل إبليس، فمن يصدق في هذا السياق أن يتم استهداف المعتصمين من رشاشات الطائرات التي استخفوا بعقول الناس وقالوا بأنها كانت تصور المشهد عن بعد، أي استخفاف بعقول الشعب المصري وهم ينقلون صوراً لصناديق كان الجندي يخلع علبة الرصاص من سلاحه الشخصي ويرمي بها فيه والكاميرات تصور ذلك ثم يقولون للشعب إن هذا الصندوق بما يحويه من أسلحة كان بحوزة المعتصمين، ولا يتورعون من بث صور لجثث ما زالت طرية والأكفان عليها ليس فيها أية أتربة ثم بكل سخف ينشرون للملأ بأنها جثث كانت مخفية تحت المنصة هكذا دون أن يتنبهوا بأنها كذبة وأسوأ ما فيها أنها أوهن من بيت العنكبوت..
أي استخفاف بعقول الشعب المصري وهم ينقلون صوراً لبلاطجة يرشون المتظاهرين بالرصاص من أمام الجيش ثم يقولون هؤلاء هم مسلحو المظاهرات!! أي استخفاف بعقول الشعب المصري وهم ينقلون صوراً لجنود يلبسون البجامات ويظهر من تحتها البدلة العسكرية ثم يقولون بأن هؤلاء المتظاهرين قد اعتلوا أسطح أقسام الشرطة!! والكذبة التي أعتقد أنهم نشروها ويعلمون أن أطفال الشعب لن يصدقوها هي أن المعتصمين هم من قاموا بإشعال النيران في الكنائس وهم الذين لم يستطع أحد أن يثبت عليهم حالة واحدة مشابهة في السابق على الرغم من السعي الدءوب لإلصاق كهذا جرائم بالمعتصمين لتأليب الرأي العام!!
على من تنطلي مثل هذه التخرصات والأقاويل التي لم يعد لها شاهد من واقع الحياة التي أحالها السيسي إلى فوضى يريد من خلالها الانقضاض على الحكم ببزته العسكرية بعدما أدركوا أن من هم في سدة الحكم قد أحكموا السيطرة على وجدان غالبية الشعب المصري من خلال فوزهم في خمسة استحقاقات انتخابية لم يستطيعوا أن يظفروا بواحدة منها فكان أن انقلبوا على هذه الشرعية بتلك الطريقة التي شاهدها العالم وأسفرت عن عالم غربي مازال يرى الأمور بشيء من الوضوح ، وأسفرت أيضا عن مجتمع خليجي بعضه للأسف الشديد يرى الشوك ويعمى عنه من سبق إصرار بل إنه يسعى إلى تجميله لا لشيء إلا لأنه يظن أن الشعوب لا تحيا إلا بالقوة والاستبداد..
إن ما يشاهد اليوم من جرائم يقوم بها السيسي في حق شرفاء من أبناء مصر من خلال جيشه لهي جرائم يندى لها جبين الإنسانية لن تمر بالتقادم، ولن يغفرها التاريخ لأن مشيئة الله اقتضت أن الظالمين مهما علوا وبغوا وتجبروا لا بد من يوم إلا ويأتي يقتص فيه من الظالم للمظلوم وكما يقال "إن يد الله تعمل في الخفاء فدعوها تفعل ما تشاء".
إن ما صنعه ومازال يصنعه السيسي في حق أبناء مصر الشرفاء مستقويا بجيشه حال لن يفضي إلى هدوء، وأمر لن ينتهي بالحكم إلى السيسي لأن الشعب المصري الذي انتفض ضده لم يعد لوحده في الميدان بل إنني أجزم بعدما فشل السيسي في جر المعتصمين إلى مربع العنف أن يكون هو الرأس الذي سيضحي به الجميع ليتملصوا من مشاركتهم في جرائمه التي أصبحت اليوم ترى بالالوان بعدما كانت بالأسود والأبيض من شدة لوضوح.
وأختم مقالي برسالة إلى فرعون عبارة عن قصيدة أتوجه بها إلى الوجه القبيح في مصر المتمثل بالسيسي فأقول كما قال الشاعر العشماوي
فرعونُ، عقلك لم يزل مخدوعا*وزمام حكمك لم يزل مقطوعا
خضِّب يمينك بالدماءِ، وقلْ لنا:*إني أنفِّذ أمريَ المشروعا
قطِّعْ رؤوس المصلين فإنهم*يبغون منك إلى الإله رجوعا
واملأْ سجونك، ثم قُلْ: إني هنا*لأحارب الإرهابَ والتقطيعا
طاردْ بجندك كلَّ صاحب مبدأٍ*يأبى لقانون الضلال خضوعا
واركض وراءَ شبابِ "مصرَ" لأنهم*رفعوا الجباهَ وحاربوا التطبيعا
هم يصعدون إلى السماءِ وأنتَ في*أوحال وهمِك ما تزال وَضيعا
هم يلجؤون إلى الإله وأنت لا*يرضيك إلاَّ أن تسوق قطيعا
هم ينظرون بأَعيُنٍ مجلوَّةٍ*فيرون فعلك في العباد شنيعا
ورأوك تستبقي الرجال رهائناً*وتُدير قتلاً في النساء فظيعا
ما مصرُ يا فرعونُ إلاَّ حرَّةٌ*تأبى إلى غير النضال نزوعا
لكنّها سُلِبَتْ عباءةَ طُهرها*وخلعْتَ أنتَ حجابها لتضيعا
أنسيتَ قارونَ الذي زرع الهوى*في قلبه حتى استطال فروعا؟!
خُسِفَتْ به الأرضُ التي أبدى لها*خُيَلاَءَه، وغدا بها مخدوعا
ضاعت مفاتيح الخزائن واختفى*قارونُ، لم يرَ في العباد شفيعا
سلْ عنه أرضك حين لم تترك له*أثراً، ولا للصوت منه سميعا
أبشرْ فإن الفجر سوف يُريق من*كأسِ الظلامِ شرابَك المنقوعا
ولسوف تفتح مصرُ صَفْحة عزِّها*ولسوف يغدو رأسها مرفوعا
فرعونُ، لا يخدعْك وهمْك إنني*أبصرتُ طفلاً في حماكَ رضيعا
مروان المخلافي
رسالة إلى فرعون 1407