لا حاجة للحديث عن مالاَت ومستقبل الصراع الدائر في اليمن مع تنظيم القاعدة في ظل الغموض الذى يلف هذا الصراع ورؤية المنتظم الدولي لمخاطر هذا التنظيم على الاستقرار في المحيط المحلي والإقليمي والدولي كما لا حاجة لنا أيضاً لاستعراض حيثيات هذا الصراع, مكمنه وتوابعه وتجلياته وكيف تمكنت الجماعات المتشددة في جزيرة العرب من إعادة هيكلة نفسها في إطار تنظيمي محكم وكيف نجحت في استقطاب العديد من الشباب إلى صفوفها على الرغم من أن غالبية اليمنيين لا يتعاطفون مع هذه الجماعات ولا يتفقون مع توجهاتها وأفكارها المغالية والمتطرفة بحكم معرفة الجميع بمجريات هذه المسارات التي طالما تناولتها وسائل الإعلام العربية والدولية عند كل حادث إرهابي يجري في اليمن ترسم مشاهده الدماء واشلاء الضحايا الذين غدرتهم احقاد القاعدة وكل من سار على دربها الاجرامي والخبيث.
غير أن ما يحتاج التوقف عنده اليوم ويطرح على شكل تساؤل هو هل أصبح تنظيم القاعدة في اليمن من القوة والفاعلية والخطورة على النحو الذى يسمح له بإثارة قلق الولايات المتحدة ويدفع بها مؤخراً إلى إغلاق الكثير من سفاراتها وقنصلياتها في عدد من البلدان العربية والإسلامية وكذا إجلاء رعاياها من اليمن لمجرد رصدها مكالمة سرية بين أيمن الظواهري ـ الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة ـ وناصر الوحيشي ـ قائد فرع التنظيم في جزيرة العرب ـ استشفت منها ما وصفته بمخطط إرهابي محتمل لم تحدد وجهته أو مكانه أو البلد المستهدف به إلى درجة أنها من جعلت الغرب كله في حالة استنفار قصوى تماثل ـ إلى حد قريب ـ الظروف التي لازمته عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية.
واذا ما كانت تلك المكالمة كافية للتدليل من وجهة نظر الادارة الامريكية على ان القاعدة في اليمن اصبحت قادرة على تنفيذ اي هجوم ارهابي في اي مكان في العالم فكيف نفهم ما ظلت تردده هذه الادارة من تصريحات عن الانهيارات التي مني بها تنظيم القاعدة في اليمن بعد الضربات الموجعة التي احاقت بعناصر هذا التنظيم في محافظة ابين واغتيال عدد من قياداته البارزة في الهجمات التي نفذتها الطائرات الامريكية دون طيار في الاشهر القليلة الماضية والتي توحي في مجملها على ان هذا التنظيم صار قاب قوسين من نهايته ان لم يكن في وضع الاحتضار او في حكم الميت سريرياً.
وبصرف النظر عما اذا كان القلق الامريكي حقيقياً ام مصطنعاً والغاية من وراء تضخيم خطر تنظيم القاعدة في اليمن واذا ما كان الهدف منه كما يرى البعض الضغط على النظام اليمني للقبول بالتموضع الامريكي في اليمن والذي زادت حاجة واشنطن اليه كما يعتقد هذا البعض بعد تصاعد النفوذ الايراني في اليمن الذي اخذ في الآونة الاخيرة شكلاً اكثر وضوحاً او ان معطيات اخرى هي من املت هذا الموقف الامريكي ادراكاً من واشنطن بحساسية الوضع في هذه الدولة العربية الرابضة على كتف باب المندب الاستراتيجي الذي تعبر منه ناقلات النفط المحملة يومياً ب 50% من احتياجات العالم من هذه المادة الحيوية وكذا حرصها على عدم سقوط اليمن في مهاوي الفوضى وبالذات وقد تعهد البيت الابيض بدعم هذا البلد وتعزيز صموده في مواجهة القاعدة والانفلات الامني.
واذا ما اتفقنا مع الرؤية الامريكية بان تنظيم القاعدة في اليمن بات الاكثر شيطنة من اقرانه في العراق وسورية والمغرب العربي وباكستان والاكثر خبثاً من المكون الرئيسي للقاعدة في افغانستان فان ذلك يعد امراً كافياً لمراجعة استراتيجية الحرب على الارهاب حيث وان من مصلحة الولايات المتحدة الامريكية التي تقود هذا الحرب عدم تكرار تجاربها الفاشلة في افغانستان وباكستان والعراق والاقتناع بان الانتصار على الارهاب لا يمكن له ان يتحقق طالما ظلت المعركة مع هذه الافة الخبيثة محكومة باستراتيجيات تتضارب فيها المصالح السياسية والاقتصادية وتتداخل فيها ادوار الاطراف المتحالفة في هذه المعركة الاممية.
ولا نبالغ اذا ما قلنا انه ومن رحم تلك الاستراتيجيات المتضاربة خرجت علينا في اليمن تلك الجماعات المتطرفة والمتشددة بعد ان عادت من جبال تورا بورا في افغانستان التي دفعت اليها دفعاً تحت ضغط الفقر والحاجة وخدع الدفاع عن الدين والتأسيس لدولة الخلافة الاسلامية.. ولم يكن لهذا الفكر المنغلق الذي يستهويه الموت اكثر من الحياة ان يقاوم ثقافة الاعتدال والتسامح التي يتميز بها غالبية اليمنيين لو لم يغمض العالم عينيه عن هذا البلد الذي يخوض منذ عدة سنوات حرباً مفتوحة غير مكتملة العناصر مع تلك الجماعات المتطرفة بمساعدة طائرات الدرون الامريكية والتي اضحت مصدر احراج لقيادة هذا البلد بعد ان تسببت في قتل بعض المدنيين عن طريق الخطأ.
وبالتالي فاذا ما ارادت الولايات المتحدة والاطراف الدولية مساعدة اليمن والوقوف الى جانبه في حربه ضد الإرهاب فان الطريق الى ذلك يبدأ بالمساهمة الفعلية في تنميته ومساعدته على التخلص من عوامل الفقر والبطالة وتجاوز حالات التشرذم المجتمعي.. اذ انه بهذه الاستراتيجية التنموية سيتمكن بالفعل من القضاء على منابع الجهل والفاقة والتشدد والتطرف المؤدية إلى الانحراف والإرهاب.. أما غير ذلك فليس اكثر من خلط للأوراق وبعثرتها وإدخال اليمن من خلال المواجهة مع القاعدة في دوامة محكمة الإغلاق.
الرياض
علي ناجي الرعوي
المواجهة مع القاعدة تبعثر الأوراق في اليمن 2115