قرأت مرة أن اليابان ليس فيها جمعيات خيرية ولا تدفع الضمان الاجتماعي للفقراء.. وبمعنى أوضح لا تدفع رواتب للفقراء والعاجزين ولا تقدم لهم أي مساعدات..
قد يبدو الأمر غريبا أو غير مصدقا عند البعض بسبب ما عرف عن اليابان أنها من أكثر الدول احتراما للإنسان – والشواهد كثيرة وليس مجال ذكرها هنا - ولكن موقفها هذا – عدم إعطائها الضمان الاجتماعي للفقراء – هو في صميم اهتمامها بالإنسان واحترام آدميته ومشاعره.. فهي ترى أن توزيع المساعدات للمحتاجين تجعلهم يشعرون أنهم عالة على المجتمع.. ويبدون مهمشين وخارج لحمته وهذا يعـدّ امتهاناً لهم وانتقاصا من إنسانيتهم.
وليس معنى هذا أنها تتركهم هكذا عرضة للجوع ولمتطلبات الحياة ولكنها تستخدم أسلوبا آخر فهي توفر لكل شخص عملاً مناسباً يتلاءم مع حالته مهما كانت وكان وضعه الصحي.. وبهذا يصبح هذا الإنسان منتجا.. يأكل من عمل يده.. ومشاركا في مجتمعه كأي إنسان..
مثال آخر من الهدي النبوي حين جاء النبي صلى الله عله وسلم فقير لا يجد قوت يومه قال له (ص ) هل في بيتك شيء. .قال له: ليس في بيتي سوى حصيرة ننام ونجلس عليها, قال له النبي (ص) إئتني بها. . وعرضها للمزاد بين الصحابة ودُفع بها ديناران. .فقال (ص) للفقير خذ هذا الدينار واشتر به قوتا لأهلك وبهذا الدينار (قدّوما ) واذهب للجبل واحتطب به وعُد لي بعد أسبوع..أو كما جاء في الحديث
على ضوء هذا الكلام وهذا التفكير في التعامل مع الإنسان.
المحتاج وعلى ضوء الهدي النبوي أتحدث هنا عن الجمعيات الخيرية في بلادنا.
فهناك جمعيات خيرية مرّ على تدشين عملها أكثر من عشرين سنة وكل عام تتوالد جمعيات لا حصر لها.
والسؤال هنا.. ماذا حققت هذه الجمعيات على مدى سنوات عملها ونحن نلحظ أن رقعة الفقر تزداد كل عام بالتوازي مع زيادة تلك الجمعيات عكس ما يفترض أن يكون.
أنا هنا لا أريد أن أدخل في دهاليز سوء الظن – برغم أن هناك بعض مسؤولي بعض الجمعيات دخلوها خماصا وهم اليوم بطانا.. إ ضافة للتوظيف الحزبي عند بعض الجمعيات لهذه الصدقات وجعلها وسيلة للاستقطاعات مما ينزع عنها صفة الخيرية والعمل الخالص لوجه الله – ولكنني وعلى ضوء ما طرحت آنفا عن الهدي النبوي والأسلوب الياباني في التعامل مع الفقراء والمحتاجين أقول أن أسلوب جمعياتنا الخيرية أسلوب عقيم يثبط همم هؤلاء المحتاجين ويدعوهم للتواكل والتكاسل ويزيد من رقعة الفقر في بلادنا. .ولهذا لم تلد لهذا الأسلوب أي نتائج إيجابية.
ومن منطلق الحكمة المعروفة (بدلا من أن تعطيني سمكة كل يوم, علمني كيف أصطاد) أقول لماذا لا تقوم الجمعيات الخيرية بإقامة مشاريع صغيرة أو كبيرة وتوفير فرص عمل لهؤلاء الفقراء وأولادهم.. ومشاغل خياطة وغيرها للنساء الأرامل والفقيرات والتي تعول أسرا.. وبهذه الطريقة سنرى بعد أعوام أن هؤلاء الفقراء – أو بعضهم –أصبحوا منتجين وفعالين في المجتمع يحتوون غيرهم من المحتاجين ويوفرون لهم فرص عمل.
أعرف أن هناك بعض الجمعيات نحت هذا المنحى لكنه يظل هامشيا وليس هو صلب عمل الجمعية.. والمطلوب هو نشر هذا الأسلوب على نطاق واسع بحيث يصبح 90% من عمل الجمعيات هو في هذا الاتجاه بدلا من هذا الأسلوب العقيم الذي يمتهن من كرامة الفقير – خاصة عندما تلتقط له صورة واللقمة في يده عالقة بين السفرة وبين فمه - ولا يؤدي الرسالة المرجوة من القضاء - ولو جزئيا – على الفقر المرابض بيننا ولم نستطع أن نمنحه إشارة مرور ورحيل من حياتنا..
(وخواتم مباركة)
*شــُـــرفة:
لا ينبغي السكوت
والجوع يمشي في شوارع البلاد
معلنا
للجائعين كفره
ولم يتب
وما استتابة أحد
وما رفعنا سيفنا في وجهه
فهل نموت؟
جلال الحزمي
عن عمل الجمعيات الخيرية 1548