بقدر ما نرى مشهداً مفجعاً حد الرعب على مستوى الساحة العربية نرى ايضا مشهداً مثيراً للسخرية والامتعاض بمجرد ان ننظر الى الازمات نفسها من زوايا اخرى.
إذ أن لهذا المشهد الذي تتغير ملامحه بسرعه فائقة خصائص بلورية تجعل منه مكعباً ذا أوجه عديدة مختلفة اللون والطعم والرائحة وكلما نظرت إلى وجه من تلك الوجوه فإنك ترى حيثيات ووقائع ومدلولات وأهدافا ومواقف وقصصا ومصالح ومغانم ومغارم متباينة شكلا ومضمونا مع العناصر نفسها التي تراها عندما تتفحص وجها آخر ..
بمعنى أن الاوضاع في البلاد العربية قد وصلت من السوء الى درجة هذا المكعب المتلون المتقلب المتبدل المتنافر المتصارع.. وكل من أطراف النزاع والاحتراب والصراع والتنافس نريد أن ننظر إلى المكعب من الوجه الخاص به بما يحمله من رؤى وأيدولوجيات وبرامج وروايات وادعاءات ويجبنا بشكل تام عن الوجوه الأخرى من مكعب النحس العربي..
فمثلا الطابور الايراني واتباع الخميني في الوطن العربي يريدون منا أن ننظر لما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن من الوجه الثوري الايراني للمكعب لنتشبع بأفكار وأيدولوجيات الثورة على الطغاة وتغيير الأنظمة العميلة الفاسدة وووو الخ...
وبالمقابل يطالبوننا أن ننظر لما يحدث في سوريا والعراق من منظور ولاية الفقيه ومن الوجه الذي يعتبر أن ثورات الشعوب في العراق والشام ماهي إلا مؤامرة كبرى تستهدف ما يسمى (محور الممانعة والمقاومة) وتخدم مصالح القوى الاستكبارية الكافرة.. ولا يخجلون حين يصبغون هذا الوجه باللون الاحمر الدموي للتأكيد على موقفهم الداعم والمساند لقوات بشار الأسد والمشاركة بالعتاد والرجال في معركة سقط فيها عشرات الالاف من أطفال ونساء وشيوخ وشباب ورجال سوريا المظلومين وأدت إلى تهجير ما يربوا على مليوني نازح ومهجر...
وفي نفس هذا الوجه ايضا نرى تركيزا ملفتا على شئون مملكة البحرين الشقيقة من قبل ايران واتباعها الذين يصورون ما حدث في البحرين انه هولوكوست أخرى دموية بحق شيعة البحرين، رغم انه لا يتعدى عملية قمع وفض لطيف للاعتصام بأدوات اعتبرها انا حضارية ولطيفة جدا اذا ما قارناها بأدوات بشار وحسن نصرالله والمالكي التي يستخدمونها مع اهلنا في سوريا ولبنان والعراق..
أما اذا نظرت لوجه آخر من المكعب الذي يطالبك الاخوان المسلمين بالنظر الى أوضاع الأمة من خلاله فانك ترى ايدلوجيا وتاريخا.. أهدافا واستراتيجيات.. مباحث ونظريات.. تحليلات وتوصيفات . كلها متباينة مع الوجوه الاخرى ومتقاربة من الوجه الايراني من حيث تمجيد الثورية وتقديس المرجعية مع اختلاف المذهبين..
وفي هذا الوجه يدهشك التماهي الكبير في المواقف بين هذه التيارات الإسلامية وشركائهم مع القوى الغربية والشرقية التي تتحكم بزمام الأمور في المنطقة إذ قام الفريقان بدور متكامل للإطاحة بماي سمى الأنظمة الفاسدة خلال عام 2011 م في تونس ومصر وليبيا واليمن..
كما تستوقفك بإمعان مسألة اتحاد الايدلوجيا الإسلامية (الإخوان وأنصارهم) بفرقائهم من الطوائف الاخرى خصوصا (الشيعة) ثم اتحاد الفريقين بالقوى الشبابية والعلمانية والقومية والاشتراكية وحتى (الإلحاديين) والقوى التقليدية من قبائل وعسكر في سبيل الإطاحة برؤساء هذه الدول..
ثم ماذا بعد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إذا تابعت هذا الوجه الذي نفذ انشطة الربيع العربي باستمرار سترى التغيير الذي طرأ عليه حصل بمجرد الوصول الى التغيير (إسقاط الرؤساء) .. ليبدأ انفراط عقد الشراكة بين التيار الاسلامي وشركائه الآخرين من شيعة وعلمانية واشتراكية وانصار المرأة ويولد عن ذلك تقارب سريع مع المتضررين من السقوط والتغيير في محاولة استعادة المبادرة وإنتاج تغيير مضاد كما حدث ويحدث في مصر وهذا يعني أن الاتحاد لم يكن على أساس متين من الرؤية الثورية الوطنية المتفق عليها لخدمة أهداف وطموحات الشعوب في الانطلاق إلى الأفضل..
ان لكل وجه من وجوه هذا المكعب سمات وخصائص وثقافه وتوجهات خاصة به تتعارض مع الوجه الآخر وقد تصطدم به..
ولا ننسى انه وفي اطار نفس المكعب هناك وجه خاص بالأنظمة السابقة وانصارها ومقدراتها ومخططاتها أو ما يسمى (الدولة العميقة)..
فيما يحتل عملاء الشرق والغرب العائدين من فنادق الخمسة والسبعة نجوم في اوروبا وامريكا ولبنان وغيرها وجها نشطا خاصا بهم..
ولا تنسى أيضا أن تعرج على الوجه الذي يحتفظ به امراء النفط والثروة في مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية لترى كيف يتعاطى هذا الوجه مع الوضع في المنطقة والعالم..
وعلى سبيل المثال كيف ارسلت قوات درع الجزيرة لإخماد الاحتجاجات في البحرين في إطار حماية الأمن القومي الخليجي من المطامع الفارسية الجامحة في ضل تخاذل وخذلان تام لأبناء محافظة صعده وسفيان الذين يجاورون السعودية على حدوها الجنوبية الهامة وتركتهم فريسه سهله لمليشيات ايران التي تحتل المنطقة وتعربد فيها وتهجر وتقتل اهلها وكأن المملكة لا تخشى خطرا ولا تدفع ضررا من الحوثيين..
وهذا الوجه يمثل النقيض تماما للوجه الخميني الفارسي الذي يستميت في دعم شيعة البحرين والاحساء والقطيف واليمن باسم الانتصار للحقوق والحريات وهو الذي يسوق شباب العرب في اقليم الأحواز العربي الى المشانق ويرتكب افظع الجرائم بحقهم وبحق كل معارض للولي الفقيه..
ولكل من الوجهين موقف من ثورة الشام الخالدة ففي حين لم يراوح الموقف الخليجي مرحلة الدعم السياسي والمعنوي ثم المادي على استحياء وبما لا يتعارض مع المزاج الغربي (الأمريكي) تسجل ايران مراحل متقدمة جدا في دعم نظام الأسد بالمال والعتاد والرجال جهارا نهارا..
كل هذه الوجوه في مكعب الوضع العربي الكئيب والمؤلم الذي ينبثق عنه مكعبات مماثله في كل البلدان العربية ومنها بلادنا الحبيبة اليمن التي لها نصيب في التغيير الموعود الذي رسمه شباب الثورة الصادقين الغير مؤدلجين في أحلامهم بقدر ما كان لها نصيب في الشقاء والبلاء والتدهور الذي يستدل عليه بضمور شديد للمشروع الوطني الجمهوري الوحدوي المدني الاسلامي التقدمي الديمقراطي التعددي الحضاري لصالح نمو مخيف للمشاريع الظلامية المتقوقعة والرجعية التي يسعى بعضها لإعادة الشعب اليمني مئات السنين الى الوراء حينما كان يرزح تحت رحمة حكم الإمامة الكهنوتية المستبدة التي تكرس مفاهيم استعباد اليمنيين الاحرار بلا ذنب الا انه لم يحالفهم الحظ ليكونوا من سلالة البطنين وقد ظهر هذا المشروع بلا خجل ولازال يحتل مناطق شمال شمال اليمن (صعدة وسفيان وما جاورهما في الجوف وحجه) بمليشيات تنتهج العنف وتمارس القتل وتتغنى بشعار الموت لكل ما هو متعارض مع مسمى (السيد) في الفكر او التوجه..
كما تبرز مشاريع أخرى مترابطة تسعى لتمزيق اليمن وشرذمته والقضاء على لحمته الجميلة لصالح مسميات فارغه كالفيدرالية...
بل وصل الحد بهؤلاء الى محاولة القضاء على مقومات ومقدسات الشعب اليمني كالنظام الجمهوري والشريعة الإسلامية كدستور سياسه ومنهاج حياه.. والله المستعان...
أنها وجوه مخيفه ومرعبه لمكعب النحس تحمل أيضا ما يثير السخرية كما أسلفت.. فمثلا حركة الحوثي ( يد ايران في جزيرة العرب ) تتقنع بشعار الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل .. وهي تقتل أبناء اليمن وتحضى بدعم ورعاية الأمريكان بسخاء ( واضح للعيان ) ...
وتدعي انها تنشد الدولة المدنية والعدالة والمساواة بينما تؤسس علنا لدويلة دينيه متحجره تتبع ولاية الفقيه الخمينية وتحكم صعده وما حولها بالحديد والنار والتعذيب والاعتقالات والتهجير والاغتيالات...
ومع ذلك اذا لم تنظر للمشهد اليمني والعربي والإسلامي من هذا الوجه أو المنظور ( الحوثي الإيراني ) فأكيد انت عميل لليهود والنصارى في نظرهم ومستحل الدم والمال والعرض ..
هكذا في كل الوجوه مع اختلاف أيدولوجيات هذه القوى وتطرفها الا ان المعروف ان لأمريكا واسرائيل اليد الطولى في صناعة المكعب ورسم اوجهه مهما حاول اصحاب هذه الوجوه تزيينها بالنقوش الدينية...
ومشكلتنا كيف ننظر الى المشهد العربي بنظره فاحصه بدون الخضوع لكل ما رسم لنا من قبل الزعامات والقيادات والمنظرين او بالأحرى كيف يمكن ان ترسم الشعوب العربية وجها لها يحمل اهدافها وتوجهاتها بمصداقيه ونقاء وليسقط المكعب وتبقى الشعوب الحر...
والعاقبة للمتقـــين ,,,
فهد الشرفي
المكعب المنحوس 1549