بينما كان وزير الداخلية يكذب ويبتسم ويبدو مرحا في مؤتمره الصحفي الذي حضره صحفيو الأمن والبيادة، ويبشر بعودة الجلادين إلى جهاز أمن الدولة الإرهابي لمكافحة الإسلام ؛ كان الشعب المصري يدفن شهداءه ويمتلئ قلبه بالحزن والأسى ، وتنتحب النساء ويبكي الرجال شبابا أبرياء تهمتهم الوحيدة الدفاع عن الحرية!.
كان مفهوما أن يشارك القتلةَ فرحتهم وشماتتهم بقتل أكثر من مائتي شهيد وأكثر من أربعة آلاف مصاب ، الإعلامُ الداعر والصحفُ المتعهرة، والسياسيون الانتهازيون ، والأحزابُ الكرتونية التي صنعها ساويرس أو التي صنعها أمن الدولة الإرهابي ، وجماعةُ تمرد المخابراتية ، و6 إبريل المتلونة . كما كان مفهوما أن يأخذ الغرب وأميركا موقفا متذبذبا أو مائعا ، وهو الذي ينتفض لو أصيب كلب صهيوني على يد طفل فلسطيني ، ويقيم الدنيا ولا يقعدها لو قتل طائفي في معركة بين الجيران، ولكنه لم ينتفض هذه المرة ولم يقم الدنيا أو يقعدها مع أن القتلى فوق المائتين والمصابين بالآلاف ، والسبب معروف أنهم مسلمون ، والمسلم لا قيمة له ولا دية ، فهو من سقط المتاع لا يهتم به أحد ، ويعتنق دينا لا يحبه الغرب الصليبي .
وحده أردوغان كان واضحا وحازما في إدانته لمجازر الانقلابين الفاشيين في مصر، ولم يكتف بذلك بل اتهم الاتحاد الاوروبي بالكيل بمكيالين لإثارته تساؤلات في استخدام الشرطة لقنابل الغاز في تركيا ولكن دون أن يفعل ذلك في قتل محتجين بالنار في القاهرة. قال أردوغان في كلمة أمام مجموعة من رجال الأعمال في اسطنبول "هؤلاء الذين لزموا الصمت عندما ذبحت الارادة الوطنية المصرية صمتوا مرة أخرى عندما قتل الناس. ما الذي حدث للاتحاد الأوروبي وللقيم الأوروبية؟ أين هؤلاء الذين يذهبون في كل مكان يعطون دروسا في الديمقراطية؟. "أين الأمم المتحدة؟ أين الآن هؤلاء الذين أثاروا ضجة عندما استخدمت الشرطة التركية بأسلوب مبرر وقانوني تماما (مدافع) المياه ورذاذ الفلفل عندما يكون هناك انقلاب ومذبحة في مصر؟."
بعد تصريحات أردوغان خرج وزير الخارجية الامريكي جون كيري بتصريحات باهتة ومتواطئة يحث سلطات الانقلاب على احترام حق الاحتجاج السلمي. وذرفت السيدة آشتون بعض الدموع وطالبت بنبذ العنف . وأخيرا خرج مجلس العموم البريطاني يطالب بمقاطعة حكومة الانقلاب وطالب زعيم المجلس الحكومة البريطانية بالتنديد بالانقلاب العسكري في مصر ووقف التعامل مع الجيش المصري.
أعاد أردوغان، موقفه مؤكدا أن بلاده لن تصمت وتقف موقف المتفرج أمام "المذابح" التي يتعرّض لها المتظاهرون السلميون في مصر على يد قوات الأمن، وإنْ صمت العالم أجمع. وأضاف - في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"-: "يؤسفني المواقف المخزية التي ظهر بها الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والعالم الإسلامي أمام عمليات القتل الممنهج التي تُرتكب ضد المتظاهرين". وتساءل رئيس وزراء تركيا: أين من يدافعون عن حقوق الإنسان في أوروبا ليل نهار ويصدّعون أدمغتنا بقيمهم السامية مما يحدث في مصر؟!.. أين من يتشدّقون بمبادئ الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية؟!.. أين هم من الجرائم التي يرتكبها قادة الانقلاب ضد المتظاهرين العزّل في مصر؟!. وتابع قائلا: إن الإنسانية والعدل والضمير تُقتل في مصر، فمتى سيصغي العالم الإسلامي لنداء إخوانه في مصر؟.. كما لم يصغوا لما حدث في سوريا، مشددا أن من يصمت أمام ما يحدث الآن في مصر فإنه يعتبر بمثابة شريك في هذه الجريمة الشنعاء.
على النقيض من ذلك بدا موقف الرئيس الروسي ميت الضمير فاقد الإحساس الإنساني، فقد أشاد بقائد الانقلاب قائلا: انني أري أن التاريخ سيسجل اسمه بحروف من نور بعد أن لبي نداء شعبه للقضاء علي الإرهاب.
بوتين السفاح قتل أهل الشيشان وقتل كثيرا من المسلمين في بقية الشعوب الإسلامية التابعة للاتحاد الروسي ، ويحارب المسلمين في سورية ، لأنه لا يريد أن يتحرر المسلمون منقبضة الطغاة ،وواضح أن استخدامه لكلمة الإرهاب بقصد التعبير عن الإسلام ، فهو والغرب الصليبي يعدون الإسلام إرهابا ، ويتناسون أنهم هم الإرهابيون الحقيقيون الذين قتلوا أبناءنا المسلمين ، واحتلوا بلادهم ونهبوا ثرواتهم ونشروا الرعب في أرجاء بلادهم .
ومع ذلك فنحن لا نعدم أفرادا ودولا وهيئات أو منظمات من ذوي الضمير الإنساني في أرجاء العالم الصليبي لديهم ضمير إنساني ومشاعر راقية ، هناك مثلا الكاتب البريطاني روبرت فيسك الذي تجرأ وأعلن أن علاقة "السيسى" بـ "العدو الصهيوني" أهم لديه من الديمقراطية .
لقد استنكر فيسك مجزرة النصب التذكاري التي نفذتها قوات الأمن ضد المعتصمين السلميين المؤيدين للشرعية والرئيس المنتخب الذي أطاح به الانقلاب العسكري . ثم كشف أكاذيب القتلة وأبواقهم حين قال في مقال له بصحيفة الإندبندنت: "ماذا جرى في مصر؟ القتلى يوصفون بأنهم "إرهابيون"، وهو الوصف الذي تطلقه "إسرائيل" على أعدائها، والكلمة نفسها، التي تستعملها الولايات المتحدة". وتابع فيسك قائلاً: "الصحافة المصرية تتحدث عن "مواجهات" وكأن الإخوان هاجموا عناصر الشرطة". وانتقد الكاتب في مقاله مواقف الدول الغربية مما يجري في مصر .
وكان موقف كارل بيلدت وزير خارجية السويد من السفير المصري في لاتفيا والسويد أسامة المجدوب رائعا وإنسانيا حين طلب من السفير الموالي للبيادة الانقلابية البحث عن تبرير آخر لقتل المتظاهرين في مصر غير الادعاء بأنهم غير سلميين ومسلحين، قائلاً له : "إذن هل أطلق هؤلاء جميعا النيران على أنفسهم.. حاول البحث عن تبرير آخر".
كما كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن دعوة الجيش المصري لمعظم المراسلين الأجانب للصعود على متن مروحية عسكرية لتصوير أعداد المؤيدين لقائد الانقلاب الدموي في ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية، قبل ساعة من ارتكاب مجزرة النصب التذكاري وكشف المراسلون عن قلة الأعداد المؤيدة في التحرير وأمام الاتحادية، وهو ما يعني أن الجيش هو من دبر المجزرة ولم يكن يهمه تصوير الغرب للأعداد المؤيدة للسيسي بقدر سحب المراسلين من رابعة العدوية وإشغالهم بأمر آخر وقت ارتكاب المجزرة حتى ﻻ يتمكنوا من رصد ما حدث هناك تفصيلا.
ثم جاء موقف جنوب إفريقية بإدانة الانقلاب لطمة قاسية غير متوقعة على وجوه الخونة والعملاء.
لقد أدانت منظمة رايتس ووتش "مذبحة "المنصة" ، وأكدت أنها جريمة مبيتة كشفت رغبة الانقلابين في القتل والاستهانة بحياة البشر وهو ما يرمي ظلالاً قاتمة على الأيام القادمة.
طالبت المنظمة الحقوقية القادة العسكريين والحكومة المؤقتة المعينة من قبل الانقلابين بأن يصدروا أوامرهم على الفور بالتوقف عن استخدام الرصاص الحي .
مازال الضمير الإنساني حياً في وجود موتى الضمير المحليين والأجانب!.
د. حلمي محمد القاعود
القتلة الانقلابيون والضمير الإنساني! 1447