يقول الله تعالى (لتركبن طبقا عن طبق) ويقول تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) ومن سنن التحول فإن ما يجري في مصر وسوريا وبلدان الربيع العربي ما هو إلا فصل من فصول التحول والتغير الذي يصحبه صراع القديم والجديد والمصالح، بل إن الصراع بين الحق والباطل هو دورة من دورات سنة التدافع لمنع الفساد والاستبداد في الأرض لقوله تعالى:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) ( البقرة :251)، ولكن في النهاية ستكون الغلبة والتمكين للصالحين للقيادة والتغير والإدارة، قال تعالى في سورة الأنبياء:( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرنها عبادي الصالحون)، وما حدث ويحدث في مصر هو في هذا السياق السنني التغيري، ولا نغفل العوامل الموضوعية فيما حدث، بل كان حصاد عوامل عدة، منها الطريقة التي خرجت بها الثورة المصرية إلى الوجود، ومنها تصاعد قوة الفلول التي لم تطأطئ رأسها للثورة إلا لترقب الفرصة السانحة للانقضاض على الثورة وعلى أهم حامليها، ومنها تراكم من الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها قوى الثورة المصرية، ومنها النية المبنية من القوى الخارجية وخاصة واشنطن وحلفائها من الجنرالات المصريين، وخاصة إذا علمنا أن جيش مصر يقوده جنرالات تجار أثروا من أموال الشعب المنهوبة، و من التمويلات الأميركية المريبة، وانسلخوا من ثقافة الدفاع عن حمى الوطن وروح التضحية والنزال، وكذلك قضاء مصرـ مهما تكن نزاهته ـ تقوده هيئات قضاء دستوري صنعها مبارك على عينة، و شرع بها كل الموبقات التي ارتكبها ضد شعبه خلال ثلاثة عقود، وحينما سقط مبارك كانت هاتان المؤسسات ـ الجيش والقضاء ـ هما أعتى مؤسسات الدولة العميقة المتربصة بالثورة، وأحسنها تخطيطا وتنظيما، وأشدها مراسا وشكيمة.
ومما زاد الطين بلة كما يقال استخدام الدولة العميقة لشباب أغرار وسياسيين أنانين لصالح أعتى مؤسستين من مؤسسات نظام مبارك، وهما الجيش والمحكمة الدستورية العليا، وحولوا ميدان التحرير من ملهم لكل شعوب العالم قبل عامين إلى أداة مطية للطغيان والدكتاتورية العسكرية اليوم، و سلموا مصر من جديد إلى الراعي الأميركي الذي وقف وراء الاستبداد العسكري في مصر مدة أربعين عاما.
إن أي محلل لتتابع الأحداث يفهم بأن ما حدث في مصر كان أمرا مدبرا منذ الوهلة الأولى لنجاح ثورة 25 يناير، وبروز الإخوان كقوة مؤثرة وفاعلة على الأرض وخاصة انهم يمتلكون من خلالها قاعدة شعبية عريضة ويحملون مشروعا نهضويا لتحرير الأمة من التبعية والارتهان للقوى الدولية المتربصة بالأمة، بل إن الملاحظ يفهم بأنه لم يكن انقلابا عسكريا فحسب وإنما حربا باردة ضد محاولات النهضة بالأمة لأن نهضة مصر وهي تمثل قلب الأمة العربية النابض، وعقلها المفكر، ومخزونها البشري، وموقعها الاستراتيجي في خارطة الصراع العربي الصهيوني، وتحكمها بقناة السويس الممر البحري الاستراتيجي، التي تجعل من الصهيونية والقوى العالمية تستميت تجاه أي تغيير يخرجها عن دورها المرسوم لها في اتفاقية كامب ديفيد، ومنها في حراسة وخدمة المشروع الصهيوني ولكن
مهما خطط أعداء الأمة فان أهم ضامن لتحقيق أهداف ثورات الشعوب الغربية هو الشعوب العربية ووعيها وهذ يحتاج وعيا. واعظم وسيلة لتوعية الشعوب هو ما يحدث اليوم من تدافع وصراع حتى تنضج الأمة وتستوي على سوقها والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون
محمد سيف عبدالله
أضواء على انقلاب عسكر مصر على الديمقراطية 1550