كان ولا يزال اليمنيون يعقدون آمالاً عريضة على مؤتمر الحوار الوطني الشامل، كونه الملاذ الآمن للبلاد والمخلص لهم من حقبة الفساد والاستبداد والصراع، لكن المتابع لأحداث الحوار ومجرياته يصاب بالدهشة والاستغراب والإحباط أحياناً، عندما يتحول بعض المتحاورين إلى أدوات قمع واستبداد، فيمارسون إرهاباً فكرياً على الآخر الذي يختلف معهم أو يبدي وجهة نظر لا تروق لهم، سواءً كان ذلك عن علم بالقضية وتحرير محل النزاع أو بدون علم، وما أولئك الذين يزايدون على مقال نشره الشيخ/ كمال بامخرمة ـ عضو مؤتمر الحوار في فريق بناء الدولة في صفحته على الفيس بوك ـ إلا نزرٌ قليل وغيض من فيض.
ومع أنني قرأت المقال ولم أفهم منه تكفيراً لأحد بعينه، أو حتى إشارة الى تكفير معين، إلا أن الهجوم الكبير الذي تعرض له الرجل ينبئ عن حالة توجس كبيرة لدى بعض النخب تجاه موضوع التكفير برمته، بدليل أن المقال الذي أعتبره لا يخرج عن ممارسة الحق في التعبير عن رأي، ويؤيد ذلك البيان الذي أرفقه الشيخ با مخرمة محاولاً من خلاله توضيح اللبس الذي حدث لدى البعض في فهم المقال.
لقد نحى الإعلام المغرض بهذا المقال منحىً آخر وأخذ يجيره لأغراض سياسية أخرى لا تمت لمصلحة البلاد والحوار بصلة، لقد بدا جلياً اتخاذ بعض المتفيقهين من هذا المقال مبرراً لشن هجوم إرهابي فكري واسع ضد الرجل، وظهروا على الكثير من الوسائل الإعلامية، يحللوون ويناقشون مضامين ما أطلقوا عليه "الفتوى التكفيرية"، ومع عدم وجود مسوغ قانوني أوشرعي يؤيد قولهم، فأخذوا يستثيرون عواطف الجماهير وخداعهم، للتستر على حجم عداوتهم للمرجعية الإسلامية في الحكم والتشريع، وإخفاء قبح مواقفهم التي انكشفت بجلاء للشعب اليمني العريق، الذي لا يقبل المساومة والمزايدة على هويته الدينية والوطنية التي يراد لهما الذبح والسلخ على عتبات الحوار الوطني.
لقد وجد هؤلاء أنفسهم في مأزق كبير بموقفهم المناهض للهوية الإسلامية للدولة، فكان لا بد من اختلاق مثل هذه الترهات، كمعركة وهمية يحاولون بها أن يذروا الرماد على العيون متجاهلين المهمة الكبرى والأمانة الملقاة على عواتقهم.
لقد كان الأولى بأعضاء الحوار أن يطالبوا بالمزيد من المصداقية والشفافية والوضوح لما يجري داخل أروقة المؤتمر حتى يدرك الشعب المغلوب على أمره ما الذي يحاك له، فمن حق الشعب اليمني أن يطلع ويراقب على كل ما يصدر من أعضاء الحوار، الذين أتمنهم على جميع مصالحه، بما في ذلك الهوية الدينية والوطنية.
ويصل الإرهاب الفكري أوجّه يوم أن يصعد د. أحمد عوض بن مبارك أمين عام مؤتمر الحوار الوطني، ملوّحاً باستخدام أدوات القمع القديمة (الأمن السياسي والأمن القومي)، في مواجهة من يتهمهم بـ"العناصر التكفيرية"، الذين قال إنهم قاموا بنشر أسماء وصور أعضاء من فريق بناء الدولة، ما يجعلنا نتساءل ألم يكن من الأجدر به، وهو ينشد الدولة المدنية، أن يطالب القضاء بالتحقيق في القضية بشكل نزيه ومحايد، أفضل من التلويح بأدوات القمع التي كان أحد الثائرين عليها؟!.
الأمر الآخر لماذا التخوف والفزع الكبير من نشر أسماء وصور ممثلين في مؤتمر الحوار، لم تكن أسماءهم ولا صورهم في يوم من الأيام سرية، ولم يصدر أي قرار بحظر نشرها، فضلاً عن كونهم ممثلين عن مكونات مختلفة من الشعب اليمني ومن حق الشعب أن يعرف ماذا فعلوا؟!.
وإن تعجب فعجب استمرار حملة الإرهاب الفكري ضد أحد أعضاء مؤتمر الحوار، رغم مخالفتها للنظم واللوائح النافذة المعمول بها في مؤتمر الحوار الوطني، باعتبارها تسعى لتكميم الافواه وعدم القبول برأي الآخرين، لنتفاجأ أخيراً بأن فريق بناء الدولة تلقى رسالة من هيئة رئاسة المؤتمر تقضي بإحالة عضو الفريق كمال با مخرمة الى لجنة الانضباط، كما نصت الرسالة على توقيف المذكور عن حضور جلسات الفريق لمدة ثلاثة أيام، وهي إجراءات لا شك تأتي على خلفية حملة التشويه والإرهاب الإعلامية التي تشن هجومها على من تسميهم بـ"الإسلاميين"، بينما نجد ان هناك الكثير من التجاوزات والمخالفات التي من شأنها الإضرار بالوطن والمواطن لا يُلتفت إليها، بل وصلت التجاوزات الى الاشتباكات واللطم والضرب داخل مؤتمر الحوار الوطني ولم نجد هذه القرارات الحازمة والصارمة إلا في حق الشيخ كمال بامخرمة لمجرد أنه قام بنشر مقالة لا تعدو أن تكون جزءاً من حقه في ممارسة حرية التعبير والرأي.
بسام الشجاع
الحوار الوطني والإرهاب الفكري 1454