صدر عدد مجلة المصور يوليو 2012 وهو عدد تذكاري بمناسبة ثورة يوليو، ويحمل المانشيت الرئيسي له "ثورة يوليو باقية ولو كره الإخوان المسلمون"، مما يتبادر إلى الذهن أن الثورة قامت ضد الإخوان المسلمين، وأن الملك فاروق وأعوانه من الإقطاعيين، وكان معظمهم ينتمي إلى حزب الوفد كلهم كانوا ينتمون للإخوان المسلمين، وأن المستعمر البريطاني القابع في جبهة قناة السويس كان أيضًا من الإخوان المسلمين... إلى هذا الحد يستخف القائمون على "دار الهلال"، وهم أحد أبواق النظام البائد وسدنته، فلكما سودوا آلاف الصفحات للحديث عن عبقرية وديمقراطية الرئيس السابق مبارك، والدور الإنساني والثقافي الذي تلعبه زوجته الهانم سوزان مبارك، في مشروعها "القراءة للجميع"، الذي أثرى من خلاله كثير من المنافقين والمتسلقين، وكذلك عددوا المميزات لنجليها لصوص مصر جمال وعلاء، فإني أحيل القارئ لمقالات حمدي رزق، وحلمي النمنم، وكبيرهم مكرم محمد أحمد، وخليفته عبد القادر شهيب الذين تحولوا فجأة إلى الثوار بمجرد أن أعلن عمر سليمان تخلي الفرعون مبارك عن سدة الحكم، ونافقوا الثوار وكشفوا عوار الفساد الذي كانوا هم جزءًا منه، وأنهم سدنة الفرعون وصناعته، بل وصلت المفارقة مداها أن كتب عبد القادر شهيب كتابًا بعنوان "الأيام الأخيرة في حياة مبارك"، وهو الذي طرده المحررون والعمال من دار الهلال مثلما فعلت نقابة الصحفيين مع مكرم محمد أحمد، والتلون ليس منهجًا جديدًا في الصحافة المصرية، فقد تلون من قبل كثيرون... ارجع أيها القارئ لصحافة مصر قبل ثورة يوليو وما بعدها بقليل...
لنفاق والتلون هو الحل وسيد الموقف، إلا قليل حافظ على مبادئه ومهنيته فكان جزاؤه الطرد والتشرد ومصادرة الأموال مثل: آل أبي الفتح وجريدة "المصري".
حمدي رزق الذي فاز بجائزة المجلس الأعلى للصحافة، وكان من ضمن حيثياتها براعته في الهجوم على الإخوان المسلمين.. هذا الرجل الذي كان من ضمن الحملة الانتخابية للرئيس المخلوع مبارك في سنة 2005، الذي سام المصريين سوء العذاب، وكان حمدي ضيفًا دائمًا على برنامج عمرو عبد السميع (حالة حوار) الموجهة ضد خصوم المخلوع مبارك وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين. كانت أوارد الصباح والمساء لديهم هي التسبيح بحمد مبارك وزوجته، ونجله العبقري في نهب مصر... فبدلاً من أن يثيب إلى رشده، فإذ به لا تهمه إرادة الشعب في اختياره لرئيس الجمهورية، (وتعود ريما لعادتها القديمة) فبعد أن نافق الثوار قليلاً، كان أثناء هذه الفترة يراسل فلول الحزب الوطني، وفلول أمن الدولة (الذي كان هؤلاء يؤدون التحية العسكرية لعريف أمن الدولة قبل الدخول للقاء سيدهم اللواء حسن عبد الرحمن) الذين كانوا يدبرون المكائد في الجحور لإجهاض الثورة.. وينشئ الفلول القنوات الفضائية التي ولغت في الإناء الوطني، وزرعت الفرقة والشقاق بين الأطياف السياسية، واستعانت هذه القنوات بهؤلاء، الذين يحنون إلى الماضي البغيض (يحنون للرحلات في أوروبا والمصايف والشاليهات في الساحل الشمالي، وتخصيص الأراضي لتسقيعها وبيعها بالملايين والسكنى في الشيخ زايد، والتجمع الخامس) فهل كان للرئيس مرسي هذه المميزات التي تشترى بها الأنفس؟ لا.. لأن الرجل يده نظيفة، ولا يرضى أن يفرط في حق من حقوق الشعب من أجل إرضاء الرويبضة.
هل تعلم أيها الكاتب الصحفي، يا من تنعت نفسك بـ"الكاتب الصحفي والمؤرخ"، أن الإخوان المسلمين قد جاهدوا ضد المستعمر في فلسطين سنة 1948، وقت أن كان الشيوعيون يعارضون دخول الحرب بأمر من سيدهم الصهيوني "هنري كورييل"، وبعد أن اشترك النقراشي رئيس وزراء مصر في مؤتمر فايد سنة 1948، الذي حضره وفود من انجلترا وفرنسا، نراه يأمر بحل الجماعة ويصادر أموالها، ويأمر باعتقال كل من يأتي من فلسطين، في حين ترك المؤسسات اليهودية التي كانت تمد الصهاينة بالأموال والعتاد حرة طليقة، وترك الحبل على الغارب للمحافل الماسونية التي كان ينضم إليها معظم السياسيين في هذا العصر كما تنضم النخبة المزعومة اليوم إلى نوادي الروتاري والليونز الصهيونية أيضًا.
هل تعلم أيها الكاتب الصحفي أن الإخوان المسلمين شاركوا في النضال ضد المستعمر البريطاني في قناة السويس في سنة 1951 وحتى قيام الثورة، وأن قطاع عريض من الضباط الأحرار كانوا من الإخوان، ومن الممكن أن ترجع إلى مذكرات كمال الدين حسين، وعبد اللطيف البغدادي، وكتابي محمد نجيب "كنت رئيسًا لمصر"، و"كلمتي للتاريخ"، وكتاب سامي جوهر "الصامتون يتكلمون"، وهل نسيت أيها الكاتب الصحفي دور عبد المنعم عبد الرؤوف، وصلاح شادي، وحسين حمودة، وقد أخبرني الفريق يوسف عفيفي (دفعة 1948 حربية) أنه كان في بداية حياته من الإخوان المسلمين... وعندما خطط الضباط الأحرار لانقلابهم كان الإخوان الفصيل السياسي الوحيد الذي يعلم بساعة الصفر، بل قاموا بالدفاع والمرابضة على المداخل الشرقية للقاهرة تحسبًا لتدخل القوات الإنجليزية وحمايتها للملك وإفشال الانقلاب... كان الإخوان فصيلاً أساسيًّا في ثورة يوليو، وقد اختلف جمال عبد الناصر مع كل الأطياف، وتخلص منها بالرغم من أنها ساندته في نجاح الحركة، لقد أقصى زملاءه وأدخل بعضهم السجن واغتال صديق عمره عبد الحكيم في النهاية، وتخلص من محمد نجيب قائد الثورة وأهانه، ووضعه قيد الإقامة الجبرية لمدة تزيد على العشرين عامًا، وتخلص من السنهوري، وسليمان حافظ، وإحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، ومن النحاس، وأهان هؤلاء إهانات بالغة، ورفع من قدر الصف الثاني للثورة (الذي أظنك هو النموذج الذي تعجب به طوال الوقت) أمثال: شمس بدران، وفؤاد الدجوي، وحمزة البسيوني، وصلاح نصر، وصفوت الروبي، وصفوت الشريف (حبيبك هل تتذكره؟ الاسم الحركي له الرائد موافي)، الذين أساءوا التصرف واستخدموا مناصبهم دعمًا لمصالحهم ونزواتهم، فهم من الممكن أن يطلق عليهم (رجال اعتماد خورشيد، ومها صبري) الذين أدت تصرفاتهم البغيضة إلى نكسة 1967، وهل ترضى يا سيدي عن مجازر الإخوان المسلمين في سجون طره وأبي زعبل والقلعة، وإعدام سيد قطب وإخوانه؟
وأظنك راض عنها كل الرضا، وتتمنى مشاهدته مرة أخرى بدليل تحريضك الدائم للجيش كي ينقلب على الإرادة الشعبية التي هو يحميها، وقد لبى قائد الجيش السيسي بالفعل وانحاز على ثلة فشلت في كل الاستحقاقات الانتخابية، وقام بانقلاب على أول رئيس مدني في تاريخ مصر جاء بانتخابات نزيهة وتأسست دولة البيادة الثانية التي تقاوم بسلمية تغلب الرصاص من كل طوائف الشعب.
فلو كان حمدي رزق دقيقًا لصاغ ما نشيته على النحو: "ثورة يوليو باقية ولو كره الإخوان وأعضاء مجلس قيادة الثورة الذين تخلص منهم الفرعون، والأحزاب السياسية الأخرى كالوفد والصحفيين أمثال سيده مصطفى أمين، كل هؤلاء تخلص منهم فرعون"، فلماذا تخص الإخوان وحدهم مع أنهم من صناع ثورة يوليو، أراجع لإصابتك بالصدمة من جراء اختيار الشعب لأحدهم في انتخابات الرئاسة وأنت طوال حياتك لم تأبه بمصلحة هذا الشعب، تراهن دومًا على استبداد العسكر وتسلطهم، لأن ذلك ضمان لوجودك واستمرار أمثالك، أما اختيار الشعب فلن يرضى عن المخلصين بديلاً.
أبو الحسن الجمال
هل قامت ثورة يوليو ضد الإخوان المسلمين؟ 1375