نحن نعيش هذه الأيام المعدودات في حالة فتح أبواب السماء والرحمة ، والأجر مضاعف، ومنادي السماء يقول: [يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر], لنستشعر بأن صيامنا للأيام المعدودات هو تجديد لإيماننا، وإعداد لنا لنواجه ابتلاءات الحياة بروح المتقين، ونروض نفوسنا لنكون من الأبرار المقربين، فنحن مأمورون في الأيام المعدودات أن نترك محبوبات نفوسنا وملذاتها نهاراً تنفيذاً لأمر الله، وإيثاراً لمحبة الله ومرضاته{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 85).
إننا بعبادة الصيام نستمد عظمتنا من الصيام، كوسيلة لنستمد العظمة من الله، لأن الله تعالى أضاف عبادة الصوم إليه كما جاء في الحديث القدسي [الصوم لي وأنا أجزي به], وكفى بهذه الإضافة شرفاً وعظمة عبادة الصوم من سريتها ، فلا يرى حقيقة الصوم إلا الله ، ولا يستطيع أي مخلوق الحكم عليه [إنه لي وأنا أجزي به], ونتسمد عظمة عبادة الصوم من قهرنا لعدونا الشيطان فلا نتبع خطواته لأن الشيطان يعدنا بالفقر ويأمرنا بالفحشاء، والله يعدنا مغفرة منه وفضلا .وبالصوم نتدرب على قمع النفس الأمارة بالسوء، ونصبر على ذلك ونصابر، فبالصوم نزكي نفوسنا، ونخفف ضغط الماديات على أرواحنا، ونطهر قلوبنا من الحسد والحقد والكراهية.
ومن خلال الاستغناء عن الطعام والشراب والجماع نهاراً، والتقليل من النوم ليلاً، سوف نتحرر من استبداد دوافع الشهوات، وخاصة المال والجاه والسلطان، فمعظم أعوان الظلمة والمرتزقة والمداحين هم عباد للمال والجاه والسلطان، وهي مشكلتنا، ولهذا دعا عليهم صلى الله عليه وسلم فقال تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شبك فلا انتقش].
وعلينا أن نتذكر بأن من أهداف الصوم تقوية الإرادة للتحكم بانفعالات نفوسنا، وردود أفعالنا ومشاعرنا، ونقول لمن يسبنا ويشتمنا اللهم إنا صائمون، وبهذه التربية نتحرر من استبداد قوتنا الغضبية، وهذا هو الانتصار الذاتي الهام، وإذا انتصرنا وتحررنا من داخل نفوسنا فسوف نتحرر من الظلم والاستبداد والتعسف من خارج نفوسنا ، وهذا ما عناه الله بقوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11 ).
إن المطلوب منا أن نتعامل مع الأيام المعدودات بجدية وإرادة قوية، لأن الله تعالى هيأ لنا الظروف الإيمانية المساعدة والمحفزة للتغيير، ومن لم يتغير في رمضان فغيره أصعب، فرمضان فرصة لتغيير العادات السيئة إلى عادات جيدة محمودة ، ونحن نعلم بأنه ليس المقصود من الصوم ، تغيير مواعيد وجبات الطعام والنوم، وإنما المقصود بالصيام إحداث تغيير في أنماط التعامل مع النفس والآخرين والحياة، وهذا يتطلب منا أن نحرص على الالتزام الصارم بتغيير عادتنا السلبية إلى إيجابية، وأن نعايش التغيير ثلاثين يوماً، فأيام الصيام أيام تدريب وتنمية لإيماننا وخبراتنا.. اللهم تقبل صيامنا.
محمد سيف عبدالله
مراجعة ما تحقق من أهداف الصوم 1425