(1)
لا أعتقد أن واحداً منا سيختلف حول أن رمضان شهر استثنائي، بل استثنائي جداً!.. استثنائي في كل شيء, في نومه وصحوه, في مواعيد الدوام الرسمي, في طبيعة الناس فيه, في التزام الناس بالعبادات فيه في أكل الناس وشربهم, باختصار في كل شيء.
(2)
هذه الاستثنائية الرمضانية تجعل الأمور تسير على وتيرة غير طبيعية وغير مألوفة للناس طيلة الـ30 يوم الذي يكون هذا الشهر، حتى إذا ما تم ذلك يأتي العيد لينسف كل هذا (الترتيب) ليعود الناس من حيث أتوا، ويتقهقر الناس - بدون آلة الزمن - عودة إلى ما كانوا عليه قبل شهر في كل شيء مرة أخرى.
واذكر هنا قصيدة أمير شعراءنا أحمد شوقي- رحمه الله تعالى- حيث يقول:
رَمَضانُ وَلّى هاتِها ياساقي مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ
بِالأَمسِ قَد كُنّا سَجينَي طاعَةٍ وَاليَومَ مَنَّ العيدُ بِالإِطلاقِ
(3)
في رمضان نعود إلى بيئتنا العربية ونحسب حلول الشهر بطلوع الهلال (التوقيت الغروبي العربي) وكذلك نحسب انتهاء الشهر وحلول العيد أيضا مع الهلال.
فأسأل أين التوقيت الميلادي هنا؟.. طبعاً كل معاملاتنا هي ميلادية- ولا ضير في ذلك- إلا رمضان الذي يتفرد بهذه الميزة العربية الوحيدة لأنه شهر استثنائي.
(4)
كل العبادات التي نؤديها لها توقيت معلوم كالصلاة والزكاة والحج والصوم وهذا التوقيت قد يكون مفتوحاً ومقيداً في نفس الوقت، فالصلاة مثلاً تكون مقيدة في أوقات الفروض من أول الوقت لآخره، لكنها لا تصح في أوقات معينة مثل وقت الشروق تماماً والغروب تماماً ومثله الصوم والحج وخلافه.
لكننا نرى أن رمضان كشهر هجري هو المتفرد بفريضة معينة لا سواه، مع أنه يصح الصوم في غيره كتطوع لكن كفرض ليس إلا رمضان لأنه شهر استثنائي.
(5)
أغلب معارك المسلمين التي انتصروا فيها كانت في رمضان ابتداءً من بدر الكبرى ونهايةَ بمعركة أكتوبر 1973م ، مع العلم أن هناك معارك كثيرة لا نعرفها وليست متداولة بيننا حدثت في رمضان منها معركة عين جالوت في 25رمضان سنة 658 هـ ومعركة شَقحَب أو معركة مرج الصفر المعركة بدأت في 2رمضان سنة 702هـ / 20 إبريل 1303م، واستمرت ثلاثة أيام بسهل شقحب بالقرب من دمشق في سورية.. كانت المعركة بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون سلطان مصر والشام والمغول بقيادة قتلغ شاه نويان (قطلوشاه) نائب وقائد محمود غازان الخان مغول فارس (الإلخانات).. انتهت المعركة بانتصار المسلمين، أنهى طموحات محمود غازان في السيطرة على الشام والتوسع في العالم الإسلامي، وكذلك فتح عمورية بقيادة المعتصم بالله حدث في 6 رمضان سنة 222هـ ، وغيرها من المعارك.. كل هذا لأن رمضان شهر استثنائي.
(6)
وهنا أسجل تصحيحاً لبعض المواقع الإلكترونية المتحمسة التي نسبت توقيت بعض معارك المسلمين إلى شهر رمضان، وهذا غير صحيح، ومن ذلك:
- معركة الزلاقة أو معركة سهل الزلاقة وقعت في 23 أكتوبر 1086 م بين جيوش دولة المرابطين متحدة مع جيش المعتمد بن عباد والتي انتصرت انتصارا ساحقا على قوات الملك القشتالي ألفونسو السادس. كان للمعركة تأثير كبير في تاريخ الأندلس الإسلامي, إذ أنها أوقفت زحف النصارى المطرد في أراضي ملوك الطوائف الإسلامية وقد أخرت سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس لمدة تزيد عن قرنين ونصف، توقيت المعركة يوافق 12 رجب 479هـ.
- معركة حطين معركة فاصلة بين الصليبيين وقوات صلاح الدين المسلمة، قامت في 4 يوليو1187م قرب قرية المجاودة، بين الناصرة وطبرية انتصر فيها المسلمون، ووضع فيها الصليبيون أنفسهم في وضع غير مريح استراتيجيا في داخل طوق من قوات صلاح الدين، أسفرت عن سقوط مملكة القدس وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون ، توقيت المعركة يوافق يوم السبت 25 ربيع الثاني 583هـ.
- وأخيراً معركة المنصورة حدثت سنة 647هـ ضد الصليبيين, فقد قدم "لويس التاسع" ملك فرنسا يقود جيشاً قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة، في أحدث حملة صليبية، وهي الحملة الصليبية السابعة ضد مصر، كان طابع الحملة استعماريّاً اقتصادياً، وقام الملك لويس التاسع بالاتصال مع المغول للضغط على الشرق الإسلامي من الجانبين، وواصل زحفه حتى استولى على دمياط سنة 1249م، ثم توجّه إلى المنصورة، وعلى ضفاف البحر الصغير دارت معركة حامية، اشترك فيها العربان والمشايخ والفلاحون، واشترك في تعبئة الروح المعنوية "العز بن عبد السلام" وهو يومئذ ضرير، وكان قائد الجيوش فخر الدين ابن شيخ الإسلام الجويني، وانتهت المعركة بأن أسر المسلمون من الصليبيين مائة ألف وقتلوا عشر آلاف، وأُسر الملك لويس التاسع، وسجن بدار ابن لقمان بالمنصورة، ثم افتُدي الملك بدفع (40 ألف دينار)، وأٌطلق سراحه، توقيت المعركة يوافق ظهر يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة عام648 هـ.. فلا يصح أن نخلط التاريخ مع رمضان لأنه شهر استثنائي.
عبد الحفيظ العمري
رمضان شهر استثنائي 1364