;
د/ أحمد عبد الواحد الزنداني
د/ أحمد عبد الواحد الزنداني

لماذا نرفض أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؟ 1727

2013-07-24 20:12:03


يدعي بعض الجهلة من أولئك الذين ينخدعون بالتضليل الممنهج الذي تمارسه مراكز الاستشراق المعاصر (مركز الدراسات الاستراتيجية في الغرب) والتي تعد الداعم الرئيس للسياسية الخارجية للدول الغربية , يدّعون بأن الحاجة ملحة لأن تكون هناك مصادر فرعية للتشريع في الدول المسلمة إلى جانب الشريعة الإسلامية, وذلك لأن الشريعة الإسلامية لا تستوعب متغيرات العصر, وحتى نستفيد من الفقه القانوني لحضارات العالم ولا نعيش في الماضي, والمعتاد أن يرد على تلك التراهات بأن الإسلام شريعة كاملة وصالحة لكل زمان ومكان وأن الحاكمية لله وحدة دون غيره يقول تعالى (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ), وهذا حق لا مراء فيه ولا يفقهه إلا أولوا الألباب, وهم كُثر, إلا أن القرار, في زمن وصاية أو احتلال غير مُعلن, أصبح بأيدي حفنة لا تمثل الشعوب المسلمة وهم قابعون إما في حوار مزعوم تديره القوى الكبرى أو جيش من أعلام التضليل يسيطرون على وسائل الإعلام ليقوموا بدور سحرة فرعون بحماية بيادات عسكرية توجه سلاحها الفتاك إلى صدور الشعوب المغلوبة على أمرها وليس لها من الأمر إلا "سلمية, سلمية".
وإذا سمحنا لأنفسنا بمجادلة تلك الحفنة ومن وقع في فخاخهم, وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا, فعلينا إذن أن نكشف عن ضحالة طرحهم, وأنهم مجرد أذناب لمن يعلمون أن الشريعة الإسلامية إذا ما سمح لها أن تتنفس فإن معايير هذا العالم ستتغير وإن البشرية ستنفض الظلم وتستعيد كرامتها وإنسانيتها بعد أن عبث بها الغرب وأذنابه , وستعيد الشريعة توزيع السلطة والثروة على شعوب العالم بالقدر الذي يتاح لها به أن تنتشر وتعمل, يقول تعالى : (قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيم), وعندها لن نقرأ أرقام مذهلة عن الفارق الرهيب في مستوى التنمية والرفاه الاجتماعي في الغرب وبقية شعوب العالم , فتخيلوا أن هذا العالم الذي نعيش فيه يموت 10000 طفل يومياً نتيجة سوء التغذية في الوقت الذي تنهب الشركات الكبرى موارد هذه الشعوب الضعيفة المغلوبة على أمرها , هذا فضلا عن أن الحروب الأهلية التي تذكيها سياسات الدول الكبرى في العالم تحصد مئات الآلاف من الأنفس سنويا, فقط لتضمن الدول الكبرى إحكام سيطرتها على العالم , وليتمكن رئيس مثل أوباما بجرة قلم من اعتماد تأمين صحي لأكثر من 30 مليون أمريكي من غير القادرين على تحمل نفقات العلاج الباهظة في بلد كالولايات المتحدة, وهذا الاعتماد الذي يكلف عشرات المليارات من الدولارات يمرره البرلمان بالرغم من أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية معروفة للعالم أجمع, فكيف له فعل ذلك لو لم تنهب بلاده خيرات الشعوب الضعيفة والمغلوبة على أمرها, هذا ما لا يرضاه الإسلام ولا تقره الشريعة الإسلامية, ومن هنا تأتي مشكلتهم مع الإسلام وشريعته الغراء.
وأمام الادعاء الباطل عن الشريعة الإسلامية , الذي أشرنا إليه أعلاه المتعلق بعدم مقدرة الشريعة الإسلامية على مواكبة متغيرات العصر في مسألة التقنين, فعلينا أن نعلم أولاً أن المصدر هو الذي تؤخذ منه الأحكام أي القواعد القانونية التي تحكم المجتمع, وحتى تحيط الشريعة الإسلامية بكل ما له علاقة بالتشريع فلقد قسم العلماء مصادر التشريع إلى مصادر أصلية وأخرى تبعية, ورُتبت مصادر التشريع هرميا لتحكم التقنين بحيث تجمع بين أمرين, الأول: عدم مخالفة الإسلام, والثاني: الإحاطة بكل مسألة كبيرة كانت أو صغيرة.
ويأتي على رأس المصادر الأصلية القرآن الكريم , وهو الكتاب الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, والله سبحانه وتعالى يقول (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ), ويقول جل من قائل (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ), وهو النور الذي أنُـزل للبشرية قال تعالى (قَدْ جاءكم مّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيم).
أما المصدر الثاني من المصادر الأصلية للتشريع فهو السنة النبوية المطهرة وهي كل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو إقرار قصد به التشريع ونقلته إلينا كتب السنة بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقة , فهي تعتبر حجة ومدرا تشريعيا واجب الإتباع وحجية ذلك قوله تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ), وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا).
ثم يأتي المصدر الثالث وهو الإجماع, وعرّف العلماء الإجماع بأنه اتفاق جميع الفقهاء المجتهدون في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي من واقعة معينة صراحة أو ضمنا, وحجية الإجماع قوله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا), وقوله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع امتي على ضلالة).
والمصدر الرابع من مصادر التشريع الأصلية هو القياس, وهو إلحاق واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد نص بحكمها (في الحكم) لاشتراك الواقعتين في علّة هذا الحكم, وحجية القياس قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).
وبعد هذا كله فهناك المصادر التبعية التي تتيح لمن يتولوا مسؤولية التقنين, أي وضع القوانين والتشريعات واللوائح, مساحة أرحب لممارسة مهمتهم , فأول المصادر التبعية يأتي الاستحسان, وهو العدول عن حكم اقتضاه دليل شرعي إلى حكم آخر لدليل شرعي اقتضى هذا العدول, فهو ترجيح دليل على دليل يعارضه, أو عدول المجتهد عن مقتضى قياس جلي إلى مقتضى قياس خفي, أو عن حكم كلي إلى حكم استثنائي , لدليل انقدح في عقله رجح لديه هذا العدول.
أما ثاني المصادر التبعية فهو الاستصحاب, وهو استبقاء الحكم الذي ثبت بدليل حتى يوجد دليل غيره, ويثبت على هذه القاعدة الكثير من المبادئ الشرعية كالأصل في الأشياء الإباحة, والأصل في الإنسان البراءة.
والمصادر الثالث من المصادر التبعية يسمى المصالح المرسلة أو الاستصلاح, وهو تشريع حكم بمقتضى واقعة لا نص شرعي فيها باعتبارها, أو إلغائها, تستهدف جلب المنفعة, أو دفع الضرر.
وهناك أيضاً مصدر رابع من المصادر التبعية وهو العُرف, وهو أحد الأدلة التشريعية لدى الكثير من فقهاء المسلمين, وسواء أكان العُرف عاماً أو خاصاً فيجب أن يكون عرفاً صحيحاً لا يخالف حكما شرعيا.
ويعد شرع من قبلنا خامس المصادر التبعية من مصادر التشريع في الإسلام, وهو ما ذكرت من أحكام شرعية من القرآن أو السنة من شرائع الديانات السماوية السابقة, ولم يقم دليل شرعي على نسخها أو رفعها.
أم المصدر الأخير من المصادر التبعية في الشريعة الإسلامية فهو المصدر السادس , ويسمى مذهب الصحابي, وهو قول أو حكم أو فتوى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاجتهاد هؤلاء الصحابة واجبة الاتباع لاحتمال أن تكون من أحاديث رسول الله وتورعوا عن نسبتها إليه, ويقول العلماء أن "ما كان عن اجتهاد من الصحابي هو أولى بالإتباع , لأن قدرته على الاجتهاد أولى من قدرة غيرة ومن ثم فإن وصوله إلى استنباط حكم الله لما يعرض أقرب من وصول غيره".
وبعد كل هذا الثراء لمصادر التشريع للإحاطة بكل شاردة وواردة , فإن الشريعة الإسلامية تتحفنا بما يسمى مصادر الاستئناس, وهي لا تفرض على الدولة الإسلامية, كالمصادر الأصلية والتبعية, ولكن يمكن الاستئناس بها طالما لم تخالف مصادر التشريع الأصلية والتبعية وبقيت ضمن الإطار العام الأخلاقي لمبادئ الإسلام, ومنها القواعد والمبادئ التي ترد في المعاهدات الإقليمية والدولية أو العرف الدولي أو المبادئ القانونية العامة التي لم تشارك الدولة الإسلامية في أي منها, فإن شاركت فلا مجال للاستئناس لأنها تصبح ملزمة لها, وهي: وصايا الخلفاء في السلم والحرب, والفتاوى لجماعة العلماء المجتهدين, وأحكام القضاء الإسلامي, ومؤلفات الفقهاء المسلمين, ومبدأ المعاملة بالمثل, ومبادئ العدل والإنصاف.
وبعد هذا العمق والإحاطة التي قدمتها الشريعة الإسلامية في عملية التقنين يتبين لنا أن إدخال مصادر غير إسلامية في التشريع, وإن منحت الشريعة الإسلامية لقب المصدر الرئيس, ما هو إلا تحايل مفضوح يدحض حجة تقييد المقنِن وحصره في الماضي وعدم قدرته على مواجهة مشاكل العصر, ويكشف لنا بجلاء إن أهداف من ينادي بجعل الشريعة الإسلامية مصدر رئيس وليست مصدر وحيد يصب في مصلحة أعداء الإنسانية ممن يسيطرون على العالم ويسعون لإبقائه تحت نفوذهم ليحافظوا, ما استطاعوا, وبكافة السبل, أخلاقية أو غير أخلاقية, شرعية أو غير شرعية, على ما يسمونه الوضع الراهن, فلا تقوم لمن يقول لهم لا.. قائمة, لكي لا يتمكن من حماية حقوق المستضعفين في الأرض, ولن يتم ذلك إلا بحقن الأمة الإسلامية بفيروس يقضي على شرعتها ومنهاجها هذا الفيروس هي المصادر غير الإسلامية في التشريع.
* أستاذ العلاقات السياسية الدولية - جامعة صنعاء.. رئيس مركز البحوث للدراسات السياسية والاستراتيجية

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد