;
عبده ردمان القباطي
عبده ردمان القباطي

عدن مدينة تأكلها الجراد 1344

2013-07-21 08:26:51


عدن اسم عريق لمدينة عريقة، تنام في أحضان البحر، تدفئها الجبال السمراء.. حُفرت في الذاكرة منذ نعومة الأظافر، كنت اشتم رائحتها المعجونة بالبخور والفل والكاذي في ملابس المسافرين منها وعبرها، قبل ان تعانق عيناي أزقتها وشوارعها. فالمدن مثل البشر تماماً ترتاح لها منذ الوهلة الأولى، أو تنفر منها منذ اللحظة الأولى.
كانت النافذة الوحيدة المفتوحة علي العالم بثقافاته، وأيديولوجياته، وتياراته السياسية والفكرية المختلفة، فيها نبتت وأينعت صدمة الحداثة، بعد ان أغلقت قوى التخلف والظلام الأبواب والنوافذ بالضبة والمفتاح، ولكنها وللأسف الشديد دخلت منذ عقود الألفية الثالثة من بوابة القرون الوسطى، فبعد أن حاصرها المتمترسون بقانون التأميم الخانق ،اطلق عليها المتأسلمون فتاوي التكفير التي تحولت إلى رصاص وقذائف، ودم وأشلاء، ومقابر جماعية ومعاقين ومشردين في الداخل والخارج، لتثبيت الأنا القبلية –الطائفية المتضخمة، وإلغاء الآخر المختلف.
لقد اقسم تحالف الحرب من الجنرالات المزيفين، وشيوخ التخلف ،وعلماء الإرهاب باسم أصنام القبيلة، أن يحيلوها إلى ريف للبؤس والفقر الثقافي والسياسي والاجتماعي وقرية يسرح فيها البعوض والبق، ويتسلى الرمد بالتهام عيون الأطفال والشيوخ ويفترس الجوع والأمراض القاتلة من تبقى، لتسهل السيطرة عليها ويصعب التغيير إلى زمن طويل.
فبعد ان كانت عالما للجنس البشري؛ العرب- الهنود- الفرس- البيض – السود ،وكان جو التسامح يرفرف ويظل الجميع.. ماذا حل بهذه المدينة الوديعة؟! من شفط جو التسامح؟!
الأخبار والتقارير التي تتسلل من هناك، تبشر بالمرارة والتوجس والتربص، والصور الخارقة للجدران والعابرة للحدود تزيد الوضع قتامة وبؤساً، فالبحر لم يعد كما كان بحراً صافياً عميقاً، نقياً، والماء لم يعد كذلك بعد ان تم ردمة من قبل قطعان البرابرة، والأسماك الملونة هاجرت بعيدا بعد أن أدانتها من قبل جنرالات الحرب وشيوخ الجهالة ،بالانفصالية والخيانة والعمالة.
والقصائد لم تعد تنبت علي الشواطئ، والمنازل التي كان يبنيها العشاق على الرمال الصفراء، أكلها الجراد المتوحش، وانحدر الموج، واختفت الشواطئ، حتى التنزه والاستحمام في البحر صار من المحرمات إلا للمتلحفين، برداء النفوذ والقوة..
عدن متأبطة حُزنها منذ زمن، تلعق جراحها بصمت، والجراد المتوحش يقتفي حداد جراحها المكتوم، والجبال السمراء تضرب كفا بكف...
وطيور النورس التحفت بالسواد، وانزوت بعيدا تذرف دموعها بحرقة، وتتسلى بعد الشعر الأبيض في رؤوس صغارها الذين يغسلون الأحزان بالدموع..
عدن تموت مع كل صباح تحت مخالب السباع الحديدية، التي تنهش لحمها الطري يشهد علي ذلك ما تسرب من أخبار مؤخرا تؤكد استمرارية التسابق علي الاقتطاع من لحمها الحي..
كانت عدن مدينة فعلا ،وكان لأهلها أحلام، إلى أن هبت تلك العاصفة التي حملت طابو ر القبائل بمسمياتهم المختلفة، التي تتغذى علي الحقد والكراهية، وتستمد قوتها من سفك الدماء، والذي ابدع عالم الاجتماع الأول بوصفهم بقولة(الظروف المعيشية التي يختص بها هؤلاء قد انعكست أثارها علي طباعهم وأخلاقهم وأنماط سلوكهم، إن طباعهم جافية، هي إلى الطباع الحيوانية أقرب، أن جدب الأرض وخُلوها من الأرزاق جعلهم يمدون أيديهم إلى ما بأيدي الناس، يسلبونهم أموالهم، ومتاعهم، ولا يجدون في ذلك منكراً، فقد تطبعوا بذلك، وأصبحت أرزاقهم في رماحهم وسيوفهم، يكسبون بها عيشهم من اسهل الطرق، طرق النهب والسلب، وإذا تغلبوا علي وطن أسرع إليه الخراب والدمار، لأن طباعهم منافية للعمران مناقضة له، لاستحكام عوائد التوحش فيهم). وبالرغم مما تقدم سيظل السؤال الملحاح:
عدن...هل ستولد الشواطئ وتنبت الجبال في يوم ما من جديد؟!!

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد