بعد انقلاب الجيش المصري على رئيسه المدني، كثرت التحليلات والروايات والتسميات لما جرى واختلف المصريون على تسميته انقلابا أو تعديلا للثورة التي انحرفت عن مسارها، لكن الصور والملفات ومع مرور الوقت تكشفت وأظهرت فصول المؤامرة جيدا، لتؤكد أنها مؤامرة عسكرية للانقلاب لم يكن السيسي إلا حلقة بسيطة من حلقاتها الدولية المختلفة. السيسي ومنذ الانقلاب يعمل جاهدا على تطبيق خطة واضحة بحذافيرها تعتمد القضاء على التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والبقعة الجارة لها الممثلة في قطاع غزة.
صحيح أن الحرب التي انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني وبقيادة حركة “حماس” في نوفمبر من العام 2012م لم تكن النهاية، فحتى الآن لم يتخيل العدو الصهيوني نفسه يهبط بقوته لقاع سحيق بعد استهداف (تل أبيب) بصواريخ المقاومة الفلسطينية، وفي سبيل ذلك فقد كان هو الآخر أحد فصول المؤامرة التي ينسجها على مدار الساعة للإطاحة بالإسلاميين وذلك من خلال الزيارات والاتصالات المكوكية التي يقوم بها السيسي والبرادعي للكيان.
لا يخفي على أحد أن العدو الصهيوني يجهز لرد الصاع للمقاومة الفلسطينية التي هزمته في حرب الليالي السبعة، ولذلك فوجود الرئيس محمد مرسي في مكانه يُعيق قيامه بذلك، فهو يتذكر الدور السياسي الذي قام به ذلك الزعيم خلال الحرب الماضية لصالح الشعب الفلسطيني على عكس الزعماء المصريين السابقين، ولذلك يمكن حصر الخطة القادمة لغزة في النقاط التالية:
1- إزاحة الرئيس محمد مرسي عن مكانه “ولو مؤقتا”، ويكون ذلك مصحوبا بتشديد الحصار على قطاع غزة وخنقه اقتصاديا لأقصى درجة، وقد تحقق هذا الأمر فالرئيس “مرسي” أبعده السيسي وأودعه في مكان مجهول، وهو ذاته الذي بدأ حصارا لغزة لم يقم به نظام مبارك نفسه، فالأنفاق تتعرض لخنق شديد لم يسبق له مثيل، وسيناء بالكامل تتعرض للحصار فلا يصلها الوقود على الإطلاق، والهدف عدم وصوله لقطاع غزة.
2- شحن المصريين ضد الفلسطينيين، وذلك يتم من خلال تحديد الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام المُنحلة والهابطة البعيدة عن أسس المهنية، وهذا يعتمد بالأساس على ما توفره أطراف فلسطينية- للأسف- لوسائل الإعلام المصرية من أكاذيب وافتراءات، حيث تم تجنيد عددا من الأطراف الفلسطينية لهذا الغرض، كان أبرزها: مكتب القيادي في حركة فتح “محمد دحلان” الذي يتخذ حاليا من دبي مقرا له لتدبير المؤامرات ضد الإسلاميين، وجهاز المخابرات الفلسطينية في رام الله، والسفارة الفلسطينية في القاهرة بالتعاون مع حركة “فتح” وبتحريك مباشر من رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس”- والوثائق التي يتم تسريبها باستمرار ولم تنفي أيا منها حركة “فتح” خير دليل على ذلك-. ويتضح أن الهدف من وراء عملية الشحن هذه ترك انطباع لدى الشعب المصري بإمكانية تدخل الجيش المصري في أي مواجهة ضد غزة- وهذا أمر متوقع- بالتزامن مع التعزيزات التي باتت بأعداد كبيرة في منطقة سيناء وبموافقة صهيونية هذا من جانب، ومن جانب آخر الذي تسعى من خلاله وسائل الإعلام المصرية من وراء التحريض تعزيز دعوات بعض الرموز الإعلامية المصرية مثل “عمرو أديب” الذي حيا “الخواجا الصهيوني” على ضربه الفلسطينيين في غزة، وبالمحصلة جعل الشعب المصري يتخلى عن شقيقه الفلسطيني ويردد عبارات من قبيل “الله لا يردهم.. عفروا على رؤسهم”.
3- في حال شن هجوم على غزة من قبل الاحتلال أو الجيش المصري- باعتقادهم- سيغيب الموقف الدبلوماسي للرئيس محمد مرسي المُغيب عن الساحة، ولن يتحدث أحد غيره؛ لأن المصريين مشغولين بأوضاعهم، وبذلك يتم الاستفراد بغزة ورد الاعتبار للعدو الصهيوني الذي تم تمريغ أنفه في التراب خلال حرب الأيام الثمانية.
وتأكيدا، فالمانع لاستمرار العدوان إن حدث يتمثل في تواصل المظاهرات داخل مصر مطالبةً بعودة “مرسي”، فتلك المسيرات قد تضغط صوب وقف العدوان على غزة وتكون مصحوبة بعنف لا يرغب الجيش المصري باندلاعه. لكن قد يكون العدو الصهيوني ضرب غزة على مدار عدة أيام، وبعد أيام وحتى يهدئ من الأمور يصدر القرار بإعادة “مرسي” إلى مكانه، وبالتالي تهدأ غزة والميادين المصرية.
إن ما يدفع نحو التأكيد بأن عدوانا قادما على غزة وإن اختلف القائمون به- عدو صهيوني أو جيش مصري- الكثير من الأحداث الميدانية المُعلنة والميدانية، ومنها:
1- الدعوة التي أطلقها رئيس لجنة الخارجيّة والأمن في الكنيست الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” والشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي، حيث طالب فيها بإعادة احتلال قطاع غزّة من دون إبطاء.
2- تسريبات عسكريّة صهيونية تتحدّث عبر وسائل الإعلام العبرية عن تهريب حركة “حماس” كميات كبيرة من الأسلحة المتطوّرة عبر الأنفاق.
3- كشف الكيان الصهيوني عن اعتماده لاستراتيجية جديدة لحماية آلياته وجنوده بالقرب من حدود غزّة.
4- قيام قوات الاحتلال بإخلاء المواقع المحاذية لقطاع غزة من الجنود إلى حدّ كبير واستبدلتهم بأجهزة إلكترونيّة متطوّرة، هذا إلى جانب إقامة تحصينات وتلال رملية محصنة بألغام أرضية في محاذاة المواقع العسكريّة.
5- إعلان الكيان الصهيوني القيام بتطوير معدّات المراقبة المستخدمة لرصد مدن قطاع غزّة، تشمل رادارات وأسلحة يتمّ التحكّم بها عن بُعد، ومنها مناطيد تحلّق على ارتفاعات تصل إلى 300 متراً، لمساندة قوات المشاة في رصد كل شبر على الحدود مع غزّة وجمع معلومات استخباريّة ميدانيّة مطلوبة على مساحات واسعة.
6- إقدام الجيش المصري على إغلاق الأنفاق التي تربط بين قطاع غزّة ومصر منذ حصول الانقلاب مباشرة، بل وبشكل لم يسبق له مثيل.
7- التعزيزات العسكرية الكبيرة التي يقوم بها الجيش المصري في منطقة سيناء والأسلحة المتطورة التي تتضمنها تلك التعزيزات من صواريخ ومعدات حربية وعسكرية ثقيلة.
8- الزيارات والحركة النشطة التي تدور في المنطقة، ومنها الزيارات المتوالية للبرادعي والسيسي إلى الكيان الصهيوني، والجولات المتكررة لوزير الخارجية الأمريكي للمنطقة جون كيري الذي أصبحت تحركاته بين عمان رام الله و(تل أبيب) بشكل كبير وما يتمخض عنها من اجتماعات ظاهرها عملية التسوية، لكن ما تُخفيه أكثر من ذلك.
9- حديث العديد من وسائل الإعلام- رغم النفي في غزة- عن قطع اتصالات المسؤولين المصريّين مع الفصائل الفلسطينيّة في غزّة منذ 30 حزيران/ يونيو الماضي وما تلاه من تغيير سياسي في مصر.
10- التحليق المستمر للطيران المصري داخل حدود قطاع غزة، فهذه الحركات ليست اعتباطية من قبل الجيش وينبغي الحذر منها.
وأمام هذا الواقع ينبغي أن تقوم المقاومة الفلسطينية بدراسة خياراتها المختلفة للتعامل مع أي تصعيد قد تشهده غزة خلال الفترة المقبلة.. صحيح أن أسلوبها معلوم لدى الاعتداء من قبل العدو الصهيوني، لكن يجب الدراسة وبتمعن شديد للخيارات الواجب استخدامها في حال تورط الجيش المصري في أي هجوم قد يستهدف قطاع غزة. صحيح أن المرحلة صعبة وعصيبة ولكن تأكيدا أن غزة ومصر لن يضيعهما المولى عز وجل وستفشل كل المخططات التي تخرج من عواصم خليجية عدة لتحقيق تلك المخططات، والأموال التي يتم إنفاقها ببزخ كبير لن تُجدي نفعا في وقت مواجهتها لإرادة المولى عز وجل.
صحفي فلسطيني
أيمن تيسير دلول
غزة والسيسي وحلقات مؤامرة جديدة 1700