;
فهمي هويدي
فهمي هويدي

بين العسكرة والاقتتال الأهلي 1338

2013-07-11 06:24:38


بعد ثورة 25 يناير، وخلال الفترة التي ظل فيها الدكتور مرسى رئيسا، ظللنا نعتبر أن مصر تواجه تحدِّيين رئيسيين تمثلا في استتباب الأمن ودوران عجلة الاقتصاد, لكننا بعد الانقلاب الذى عزل الدكتور مرسى اختلفت أولوياتنا، بحيث أصبحنا نواجه تحديين جديدين أكثر إلحاحا هما الحفاظ على المسار الديمقراطي وحقن دماء المصريين من خلال فض الاشتباك الحاصل في المجتمع من جراء انقسامه المشهود.
ما خطر ببالنا حين قامت الثورة فى عام 2011 أن المسار الديمقراطي يمكن أن يكون مهددا، وإنما اعتبر استقرار ذلك المسار واستمراره أمرا مفروغا منه، باعتباره الموضوع الأساسي للثورة.
بذات القدر فإنه ما خطر ببالنا أيضا أن ينقسم المصريون إلى معسكرين متناحرين، بعدما كانوا صفا واحدا في مواجهة استبداد نظام مبارك، إلا أن التطورات الأخيرة فى مصر قلبت المشهد واستدعت عوامل فرضت التحديين الجديدين اللذين أصبحا يحتلان رأس أولويات اللحظة الراهنة.
ذلك أن المرء لا يستطيع أن يخفى توجسا من المقدمات التي أشارت إلى عسكرة الدولة المصرية بعد الثورة التي كان للجيش دوره الحاسم في إنجاحها. وقد لاحت بوادر تلك العسكرة في مضمون ما سمى بوثيقة السلمى التي أعلنت عام 2011 ونسبت إلى رئيس الوزراء آنذاك الدكتور على السلمى، حين نصت على وضع خاص للقوات المسلحة في الدستور، واعتبرته من المواد فوق الدستورية التي لا ينبغي أن تمس.
إذ نصت مسودة الوثيقة في مادتها التاسعة على أن الدولة تنشئ القوات المسلحة، إلا أنها اعتبرت المجلس الأعلى للقوات المسلحة كيانا منفصلا عن الدولة، يختص دون غيره بالنظر فيما يتعلق بأوضاعها وبنود ميزانيتها. وله وحده حق الموافقة على أي تشريع خاص بها قبل إصداره. ثم أعطى المجلس المذكور حق مراجعة وإعادة النظر في النصوص المقترحة للدستور، وإذا لم يعجبه الحال فله أن تشكل جمعية تأسيسية جديدة لوضع دستور يرضى عنه.
حتى إذا كان تلك النصوص التي لم يؤخذ بها بمثابة بالونه اختبار، إلا أن المتداول منذ ذلك الحين أنها حظيت في حينها بترحيب من جانب القادة العسكريين. أما الدستور الجديد الذى صدر في شهر نوفمبر من العام الماضي فقد خفف من خصوصية وضع العسكر، حيث نص في المادة 197 مثلا على وجوب أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني في مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة.
ولم يشترط موافقتها. إلا أن الملاحظ أن قيادة القوات المسلحة حرصت على أن تثبت حضورها في الساحة السياسية بعد انتخاب الرئيس محمد مرسى، حيث تصرفت في أكثر من موقف باعتبارها مؤسسة مستقلة تحتفظ بمسافة بينها وبين رئاسة الدولة. وقد تحدث عن ذلك صراحة بيان وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي (في 3/7)، الذى أشار فيه إلى جهد بذلته القيادة العسكرية لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء المصالحة الوطنية بين القوى السياسية (في نوفمبر 2012). كما تحدث عن أنها تقدمت أكثر من مرة بتقديراتها وتوصياتها بشأن الأوضاع في الداخل والخارج، ولكن الرئيس لم يأخذ بها.
 الأمر الذى دفعها في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار بعزل الرئيس المنتخب شعبيا، وتجميد الدستور الذى أيدته الأغلبية في الاستفتاء ووضعته جمعية منتخبة. وتم ذلك بعدما أدركت أن الملايين من أبناء الشعب خرجت مطالبة برحيله.
حين حدث ذلك في أجواء الفراغ السياسي المخيم، وفى غيبة وجود مؤسسات سياسية تمثل المجتمع، وجدنا أن قيادة القوات المسلحة باتت تتصرف بحسبانها مركز القوة والمرجعية السياسية الأولى للحكم في مصر.
وهنا أفرق بين الحكم والإدارة، ذلك أن من بيده أمر الحكم يضع السياسات والإطار العام، والباقون مهما علت مناصبهم يقومون بتنفيذها.
أشم أجواء تلك العسكرة في سلسلة الإجراءات الأمنية التي اتخذت على وجه السرعة بعد الانقلاب، وتمثلت في اعتقالات ومصادرات لبعض منابر التعبير غير المرضى عنها والتسامح مع أعمال العنف التي طالت أفرادا ومقار. كما ألحظه في التحيز لطرف دون آخر في توجيه التهم وتحقيقات النيابة. ولأن أسهم العسكر ارتفعت هذه الأيام فقد شجع ذلك البعض في الدوائر النافذة على ترشيح أكثر من واحد من ذوى الخلفية العسكرية للانتخابات الرئاسية القادمة.
إذا كانت العسكرة تجهض المسار الديمقراطي، فإن الاستقطاب الراهن احتد وتعمق بحيث وصل إلى حد الجهر بالدعوة إلى إلغاء وإقصاء الجماعات التي أيدت الدكتور مرسى وعلى رأسها الإخوان المسلمون. بل ذهب إلى أبعد حين تطور التجاذب إلى اشتباك أوقع حتى الآن نحو 35 قتيلا وأكثر من ألف جريح، الأمر الذى حول الخلاف السياسي إلى احتراب أهلي تقطعت بسببه أواصر وسالت فيه دماء غالية.
المشكلة في هذه الحالة لا تكمن فقط في الاحتراب، ولكن في غيبة الطرف الوفاقي القادر على فض الاشتباك ومد جسور الحوار حول القضايا العالقة. ولست أشك في وجود الأطراف المصرية العاقلة القادرة على التهدئة والتوصل إلى حلول وسط تحقن الدماء وتحقق المصالح. لكن التشنج وانسداد الآذان والاستسلام للانفعال يحول دون إنجاح جهود أولئك العقلاء وإسماع أصواتهم للجميع. إلا أن ذلك لا ينبغي أن يثنيهم عن جهودهم، لأن إطفاء النيران يتطلب أحيانا من الساعين إليه أن يخترقوا اللهب لإنقاذ الضحايا.
إننا لا نستطيع أن نتقدم على طريق استتباب الأمن وإنعاش الاقتصاد، ولا نستطيع أن نطمئن على مستقبل الوطن والثورة، في حين يلوح في الأفق شبح العسكرة وتسقط كل يوم أعداد جديدة من ضحايا الاقتتال الأهلي.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد