بداية لا أحد ينكر أن هناك أخطاءً صاحبت حكم الإخوان لمصر ناتجة عن عدم التجربة في الحكم من قبل الإخوان بالإضافة للتخوف من الطرف الآخر المتربص بهم منذ الوهلة الأولى لوصولهم إلى السلطة ، فقد حكم القضاء المصري ببطلان مجلس الشعب الذي شارك في انتخابه اكثر من ثلاثين مليون ناخب مصري، ثم سعى لإلغاء مجلس الشوري، ومحاصرة الرئاسة في كل خطواتها.
لقد كان التمترس واضحاً من قبل الطرفين ضد بعضهما البعض ورغم محاولة الإخوان إرسال رسائل تطمينيه لكل الأطراف ومحاولة استقطاب بعض القوى الفاعلة إلى صفه إلا انهم لم ينجحوا في ذلك ، لقلة الخبرة وكبر المؤامرة الداخلية والخارجية،
وكما قلنا منذ الوهلة الأولى تمترست القوى المعادية للإخوان وجاهرت بعداء حاد وتصعيد لم يكن مبرراً في معظم الأوقات ، قابلها الإخوان بنفس الجفاء وردة الفعل ، وكانت المعارضة ترفض كل مقترح يأتي من الرئاسة دون دراسته أو التفكير فيه، واعتقد أن المعارضة لم يكن خوفها من فشل الإخوان بل أن اشد الخوف لديها كان خوفا من نجاح الإخوان في الحكم اذا استقر الأمر واستتبت الأوضاع ، فضاعفت جهودها لخلق المشاكل وإثارة الشارع ومخاطبة الخارج ، توافق رغبة المعارضة مع رغبة إقليمية ودولية في مناصبة الإخوان في مصر العداء وكـل طرف تدفعه مخاوفه وأهدافه ، فدعمت المعارضة بالمال السخي وبالإعلام والمواقف السياسية من قبل هذه الدول التي يعرفها الجميع ، وكانت المعارضة أيضاً منذ بداية انطلاقتها ترسل رسائل غير مباشره للتدخل لإنهاء حكم الإخوان الذين وصلوا إليه عبر الديمقراطية وصناديق الاقتراع وبالفعل استطاعت المعارضة في 30 يونيو من الشهر المنصرم أن تحشد ملايين عبر (حركة تمرد) بوسائل شتى وهذه الجماهير الغفيرة بعضها لها موقف من الإخوان والأكثرية منهم استغلت ظروفهم والوضع الاقتصادي العام فخرجت إلى الميادين ضد الرئيس مرسي وضد الإخوان ، وبالمقابل حشد الإخوان أنصارهم بالملايين في ميادين مقابلة في معظم مدن مصر ، فكان حشداً مقابل حشد ووصلت البلاد إلى حالة شلل وانسداد تام بالأفق ، واتجهت الأنظار نحو الجيش للتدخل لوضع حد لهذا الانسداد السياسي .
وبدون الدخول بالتفاصيل فقد كان المؤمل من الجيش الذي اعلن انه سيضع خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة أن يكون ميزاناً بين الطرفين ، خاصة أن الرئيس مرسي منتخب ولا زال يحظى بقاعدة عريضة متواجدة على الأرض ، فكانت المفاجأة في بيان الجيش ذلك التدخل الذي مهما قلنا عنه فإنه يشكل التفافاً على الديمقراطية ونكوص عن أهداف ثورة 25 يناير المصرية مهما حاول البعض التبرير والمغالطة، لأن هذا التدخل سيكون له آثاره الخطيرة مستقبلاً ، وكما أسلفت كان لا بد من تدخل الجيش ولكن يكون تدخلاً لتعديل الكفة لا لإلغاء طرف وتغييبه عن المشهد السياسي ، ومهما تكن أخطاء الإخوان فإنها أخطاء ناتجة كما أسلفنا عن قصور في الخبرة لا تبرر للطرف الآخر التدخل ضدهم بهذه العدائية التي يشعر المرء انه مرتب لها سلفاً ، فمثل ما حدث في مصر سيلقي بظلاله على الديمقراطيات في الوطن العربي كله ، وسيجعل من قيادة الجيش المصري الذي يعتز به كل شرفاء الوطن العربي بأن يكون فوق الدستور والقانون وليس حاميا لهما ، أي انه سيصبح وزير الدفاع المصري كالمرشد العام للثورة الإيرانية صاحب الصلاحية المطلقة في البلاد ، وسيكون أي رئيس مصري قادم مهما كانت شعبيته عبارة عن تابع لقيادة الجيش خوفاً من أن يكون مصيره كمصير الرئيس مرسي ،
سبق أن قلت في مقالة سابقة نشرتها قبل بيان الجيش المصري بيوم واحد أن الجيش المصري ليس بالسذاجة بحيث ينهى حكم الرئيس المنتخب بنفس الطريقة التي انهى بها حكم الرئيس المخلوع مبارك الذي لم يكن لديه نفس الشرعية واذا فعل الجيش ذلك فإنه سيدخل البلاد في نفق مظلم لا احد يستطيع تصور عواقبه .
قلوبنا مع مصر وأهل مصر ونرجو أن لا تدخل هذا النفق المظلم الذي حذرنا منه ، وان كانت الديمقراطية في مصر قد أصيبت في مقتل ،
نناشد قادة الإخوان أن يتبصروا وان يدركوا حجم التآمر على مصر داخليا وخارجيا فلذلك نناشدهم عدم الانجرار إلى مربع العنف الذي يخطط له أعداء مصر مهما كان الشعور بالظلم ، كما نناشد القوى الوطنية الأخرى أن ترفض وتدين تصرفات الإقصاء والعنف التي تمارس ضد الإخوان المسلمين فثورات الربيع العربي قامت ضد الإقصاء والعنف والإرهاب ، فلا نتنكر لهذه المبادئ حتى وان كانت الممارسات ضد ألد أعدائنا، فالقيم ثابتة والأنظمة زائلة والأوطان هي الباقية ، والتاريخ حكم عدل.
قلوبنا وكل مشاعرنا مع أرض الكنانة بأن يحفظها الله من كيد الكائدين ومكر الماكرين ومن كل سوء ومكروه ، ويوحد كلمة أبنائها على الخير والصلاح.
محمد الحميري
قلوبنا مع مصر 1462