عندما اندلعت شرارة ثورات الربيع العربي وخرجت الشعوب تهتف للتغيير والخلاص من الظلم والقهر والاستبداد الذي ظلت ترزح تحته لأكثر من نصف قرن من الزمان خرج قادة أمريكا وأوروبا ليعلنوا أنهم مع إرادة هذه الشعوب وحقها في التغيير وحكم نفسها بنفسها واستطاع أولئك القادة المخادعون دغدغة مشاعر وعواطف البسطاء وإيهامهم أن الغرب المعروف تاريخياً بعدائه وحقده الدفين على كل ما هو عربي وإسلامي قد تغير وأن قادته المتعصبون المنغمسون في مستنقع العنصرية قد غدوا رسل سلام وأصحاب رسالة لإصلاح حال العالم وتحويله إلى واحة للديمقراطية والعدالة والمساواة.. وحتى تبدو مسرحيتهم الهزيلة أكثر واقعية ومصداقية في عيون العرب المغلوب على أمرهم والمتعطشين للتغيير بدأ هؤلاء القادة بإصدار أوامرهم لحلفائهم السابقين من الرؤساء العرب يخاطبونهم بلهجة لا تخلو من الحزم بأن عليهم الإصغاء لمطالب شعوبهم والمبادرة إلى الرحيل وإفساح المجال للتغيير الشامل والواسع..
حينها لم يكن أمام المواطن العربي المخدوع سوى التصديق, بل واليقين بأن انقلاباً كبيراً قد حدث في سياسة الغرب تجاه العرب والمسلمين, وأنهم فعلاً قد تعلموا من الدروس القاسية التي تلقوها في أفغانستان والعراق وما أسفرت عنه من نتائج كارثية أضرت ضرراً فادحاً بسمعة هذه الدول الملطخة أصلا بتاريخ طويل من الدماء والدمار وفي مقدمتها أمريكا..
لكن مع الأيام ومع ظهور أولى المؤشرات التي تؤكد تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي بعد الثورات بدأت هذه الدول بمراجعة سياساتها ومواقفها من دعم التغيير وبدت أكثر غموضاً وتخبطاً وضبابية ويوماً بعد آخر تتكشف الصورة وينزاح القناع المزيف الذي خدعت به الجماهير العربية والإسلامية العريضة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.. وما موقفها من الثورة في سوريا ومحاولاتها إدخال البلاد في صراع طويل الأمد إلا خير دليل على التخبط وفقدان البوصلة الذي تعيشه في محاولة لاحتواء مخرجات الثورة وعدم تكرار ما حدث في تونس ومصر وليبيا.
وفي محاولة منها لاستعادة مصر إلى حظيرة العمالة والانبطاح سعت جاهدة وبكل السبل لإنعاش عملائها التاريخيين الذين قذفت بهم الثورة في مزبلة السياسة والدفع بهم مجدداً إلى واجهة الأحداث لتنفيذ سيناريوهات ومخططات تآمرية إجرامية للانقلاب على الشرعية الشعبية التي جاءت عبر انتخابات حرة ونزيهة شهدتها مصر لأول مرة في تاريخها ومعبرة تعبيراً صادقاً عن تطلعات جماهير الشعب العربي المصري العظيم والتي تتقاطع كلياً مع التوجهات والسياسات الغربية الهدامة التي لا تنظر للعرب والمسلمين سوى مجرد تابعين خانعين ومذعنين لها وليس كأمة ذات تاريخ وحضارة عريقة.
ها هو الوجه القبيح لأمريكا وحلفائها الغربيين يظهر بجلاء بعد أن اكتمل المشهد في مصر وبدت واضحة وضوح الشمس تفاصيل المؤامرة الدنيئة والوقحة التي خططت لها هي وعملاؤها في الداخل المصري الذين صنعتهم أجهزة مخابراتها على مدى السنوات والعقود الماضية من حكم التيارات الانهزامية وفي مقدمة هؤلاء عمر موسى الذي ظل لسنوات طويلة مجرد مراسل لترتيب سفريات مبارك وأسرته بدرجة وزير خارجية لم يقدم شيئاً للدبلوماسية المصرية, بالإضافة إلى شريكه في الخيانة والعمالة البرادعي والسياسي الفاشل حمدين صباحي ومن لن نفهم في جبهة الانقضاض على الثورة سيئة الصيت.
هذه هي أمريكا والغرب وهذه هي حقيقة الديمقراطية التي تروج لتسويقها للعرب والمسلمين بأنها ديمقراطية من نوع آخر وبمعايير خاصة تختلف تماماً عن تلك التي تمارسها شعوبها.. إنها ديمقراطية التناحر واللا دولة.. ديمقراطية تتقاطع مع ما كل ما هو إسلامي وعروبي.. ديمقراطية الانصياع والتبعية المتكاملة والمطلقة للسيد الأمريكي.. ديمقراطية عمادها وركيزتها الأساسية ثقافة الانحطاط القيمي والأخلاقي.. ديمقراطية تجعل من البلاد العربية والإسلامية مجرد سوق رائجة تتلقى ما يرمى إليها من نفايات الغرب وقاذوراته.
ديمقراطية تستهدف بالدرجة الأولى الهوية العربية والإسلامية وتستبدلها بثقافة مسخة مستوردة من الغرب والشرق.. فهل تعوا أيها العرب والمسلمين حقيقة أمريكا وديمقراطيتها القذرة التي تريد تسويقها لكم وتعودوا إلى دينكم وهويتكم وتخرجوا شعوبكم إلى غير رجعة من شراك التبعية والارتماء في أحضان الغرب؟.
عبد القوي العصفور
العرب والديمقراطية الأمريكية المزيفة.. مصر نموذجاً 1501