تبدو الأمور في الديار المصرية أكبر البلدان العربية شديدة التعقيد ليس فقط بسبب التغيير الذى حدث في المعادلة السياسية وقيام القوات المسلحة بإنهاء حكم الإخوان المسلمين بما يصفه الإخوان انقلاباً على الديمقراطية التي أوصلتهم إلى السلطة وليس بسبب ما تراه القوات المسلحة أخطاء جسيمة ارتكبها الإخوان أفقدتهم ثقة الشارع وسحبت عنهم شريعة صندوق الانتخابات بل ودفعتهم خطوات كثيرة إلى الخلف ولكن فان الأخطر من كل ذلك هو انقسام المجتمع المصري إلى قوى مدنية وقوى دينية خصوصا وان هذا الانقسام مرشح إلى أن يأخذ أبعاداً جديدة انطلاقاً من التطورات الجديدة التي وصلت فيها العلاقات بين الجانبين إلى نقطة مفصلية لها ما قبلها وسيكون لها ما بعدها.
لقد وقع ما كان يعتبره الإخوان في حكم المحظور فقد دخل الجيش المصري ومعه مكانته وسمعته واستقلاليته على خط الأزمة العاصفة التي ارتفعت سخونتها في الأيام الأخيرة بين معسكري القوى المدنية والقوى الإسلامية حيث اتجه الجانبان الموالون لمرسي ومعارضوه إلى حشد أنصارهما في الميادين العامة التي تحولت إلى ساحات للمواجهات والاشتباكات ولم يكن في حسبان الإخوان أن الجيش الذى تسلموا منه السلطة قبل عام وحاولوا أن يجردوه من أي دور في الحياة السياسية هو من سيستغل الأخطاء التي هيجت الناس عليهم لإقصائهم عن السلطة وكسر شوكتهم على النحو الذى حدث في الأيام القليلة الماضية وهو امر كان متوقعاً حيث وان الجهاز العسكري في مصر ظل ومنذ أمد طويل يعتبر نفسه رمزاً لوحدة المجتمع والعمود القوي الذى ترتكز عليه أركان الدولة المصرية شأنه في ذلك شأن الجيوش التي خاضت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين حروب التحرير من القوى الاستعمارية .
وأمام السؤال الذى يتكرر كثيراً .. مصر إلى أين ؟ فان ما نخشاه على مستقبل هذا البلد العربي الكبير هو الوقوع في شرك الفتنة التي ستجد من يغذيها من الداخل والخارج من اجل جر حركة الإخوان القوية والمنظمة إلى المواجهة والصدام المباشر مع الجيش الذى لن يرضى هو الأخر باقل من أن يعيدها إلى الظل أن لم يسع إلى حظر نشاطها السياسي والزج بعناصرها في السجون .. ولابد وان يدرك عقلاء مصر أن هناك من يتحفز الآن للإشعال هذه الفتنة وان هناك من يتحين اللحظة التي يتمكن فيها من تدمير فرص التعايش في هذا البلد والدفع به إلى حروب طائفية ودينية ومذهبية تفضي به إلى التمزق والتقسيم كما قسمت السودان على يد أبنائه.
واذا ما كانت الحكمة تقتضي أن يبتعد الجيش قدر الإمكان عن تعقيدات الحكم وأزمات السياسة والإدارة والصراع بين القوى المدنية والقوى الإسلامية وان ينأى بنفسه عن مشكلات لا يجب أن يكون طرفاً فيها .. فان الواجب من حركة الإخوان أن لا تجعل إقصائها من السلطة يقودها إلى الانتحار السياسي والقضاء على تاريخها الطويل بل أن من الصواب أن تعمد إلى مراجعة شاملة وعلمية لجميع نواحي أدائها في الأشهر التي تسنمت فيها مقاليد الحكم وان تقدم نموذجاً جريئاً في نقد الذات انطلاقاً من الاعتراف بان الأخطاء هي من طبيعة البشر وان لا احد يمتلك الحقيقة لوحده أو انه على صواب دائماً.
ومن باب المصارحة مع النفس فلابد وان تدرك الحركة الإسلامية بكل أطيافها في مصر وفي غيرها من البلدان العربية أنها قد ظلت اكثر من نصف قرن تنسج للمتلقي الجماهيري الحالم اجمل الوعود من أنها ما اذا تبوأت مقاليد السلطة فستنقل الناس من جحيم الواقع إلى الفردوس الموعود .. مما كرس انطباعاً في عقول الناس ممن اجتذبهم خطاب الحركة انه وبمجرد وصولها إلى السلطة في مصر فسيتحرر العرب جميعاً من إحباطاتهم وإخفاقاتهم ونكساتهم وعندما لم يجد المصريون أن أوضاعهم لم تتغير فقد انقلبوا على محمد مرسي وذهبوا إلى المطالبة بإسقاطه.
صحيح أن محمد مرسي لم يدخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة بل وصل إليه عبر صناديق الاقتراع وبشرعية ديمقراطية كاملة ولكن فان إدارته المرتبكة قد سهلت لخصومه تحشيد الناس ضده وتأليب الجيش عليه بإظهاره عاجزاً عن الاتكاء على برنامج علمي ينتشل البلاد من وضعها البائس والمحتقن ويخرجها إلى بر الأمان .. وفي كل الأحوال فمالم يسارع الأشقاء في مصر إلى إيقاف حالة الاحتقان التي تقترب من بلادهم شيئاً فشيئاً نحو الكارثة .. فان هذه الكارثة قد تحدث لا سمح الله في أي لحظة وذلك سيعني انهياراً عربياً جديداً على اعتبار أن استقرار مصر يمثل بوابة الاستقرار للمنطقة العربية.
علي ناجي الرعوي
مصر إلى أين ؟! 2614