ظلت الشعوب العربية طيلة عقود خلت تعاني من تسلط العسكر وتشبثهم في الحكم وتمكنهم من كل شيء يخص الدولة وحياة المواطن سياسيا واقتصاديا وغير ذلك.. حتى جاءت الثورات العربية وكان أملنا فيها كبيرا لتخرج الشعوب من قبضة وهيمنة الحكم العسكري إلى حكم مدني ديمقراطي يمثل الشعب ويعبر عن إرادته الحقيقية, وهذا ما طالبت به الجماهير وضحت من أجله, وحيث كان أبرز مطالبها في الثورات (العيش في ظل دولة مدنية وحكم مدني منتخب).
تحقق جزء من مطالب الثوار وأسقطوا الهيمنة العسكرية مع اختلاف أشكالها في بلدان الربيع , ففي مصر مثلا أسقط مبارك وأسقط من بعده المجلس العسكري الذي كان يحكم منذ عشرات السنين لتأتي الفرصة أمام المصريين لصناعة عرسهم الديمقراطي الأول بأيديهم وللعيش في ظل حكم مدني كامل الصلاحيات وهو ما حدث من خلال انتخاب مرسي رئيسا للجمهورية.
واليوم وبعد مرور عام على انتخاب أول رئيس مدني يأتي البعض من دعاة المدنية والحداثة ليتوسلوا الجيش النزول إلى الشارع والانقلاب على الشرعية بعدما ظلت هذه القوى تصيح وتنيح من التسلط العسكري على مفاصل الدولة بعد سقوط مبارك وبعد ما كانت تطربنا طويلا بحديثها عن المدنية وعن ضرورة الحكم المدني وعدم تدخل العسكر في السياسة حتى خيل لنا صدق نواياهم وأن العسكر وحوش هائجة لا تصلح للحكم ولابد لهم أن يتقوقعوا في ثكناتهم العسكرية.
هنا تبرز الغريزة الانتهازية عند هؤلاء الليبراليين وحقيقة الوهم الذي صنعوه لأنفسهم وأوهموا الناس معهم بأنهم دعاة عدالة ومدنية واستقلال ,فدعوة الجيش للانقلاب على شرعية الصناديق بغرض التخلص من فئة ما لم يستطيعوا مجابهتها شعبيا وذلك ما ظهر جليا من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية إضافة إلى الاستفتاءات يفضح حقيقة هؤلاء ويكشف سوءتهم حيث أصبحوا مستعدين للعودة لحكم العسكر من جديد والعيش عبيدا تحت رحمتهم (والعبد يبقى عبدا).
دعوة الجيش للانقلاب على أول تجربة ديمقراطية حقيقية وعلى أول رئيس منتخب سيصيب التجربة الديمقراطية الأولى برمتها في مقتل وستكون أول وأخر تجربة في مصر إن حدث الانقلاب فعلا وعاد العسكر للحكم بمباركة ممن يدعون المدنية وبدعم من قوى ثورية مغلوبة على أمرها ولتلبس بذلك المدنية الثوب العسكري للأبد فلا مدنية خالصة ولا استقلالية للحكم ولينتهي بذلك حلم المصريين بحكم مدني وكأنه مقدر لهم أن يتذوقوه في سنة واحدة فقط وكأنهم في حلم سرعان ما أفيقوا منه.