إن المرض يتكاثر ويتداعى في الجسد فيجعله عليلاً؛ إذا كان القلب يعاني من مشاكل مرضية لا تتوقف، فإذا ما تقرر إجراء عملية لعضو ما في جسد ما؛ فإن أول شيء يطلب الجراح إجراء فحوصات على القلب, فإذا كان حال القلب سليما سرعان ما تجرى العملية الجراحية وسرعان ما يستجيب الجسد للدواء فيتعافى؛ لكن في حالة اكتشاف خلل في القلب؛ فإن الجراح يؤجل عملية إصلاح الجسد، ليبدأ إصلاح الخلل في القلب.. إذ لا يمكن معالجة الجسد بإجراء أي عملية لعضو فيه إلا إذا كان القلب لا يعاني من أي خلل.. حتى في حالة صدور إعدام بحق شخص فإن المنفذ يعمد إلى قلبه فيصوب تجاهه رصاصة واحدة فتوقف حركة الجسد ومقاومته في لحظة واحدة فيوفر الوقت والجهد والمال فلا يبدي الجسد ثمة نضال.. لهذا لم يفت البيان النبوي أن يلفتنا إلى أهمية هذه المضغة بالنسبة للجسد سلباً أو إيجاباً؛ "ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
وبناء على ما سبق فإنه قد تجل لنا أن التركيز والتخريب منصب على مصر؛ لأنها بمكانتها ودورها التاريخي تمثل للوطن العربي ما يمثله القلب للجسد؛ لهذا فإن أي تغيير فيها سينعكس على الوطن العربي سلباً أو إيجاباً؛ لهذا لما تهاوت مصر وأفل دورها انعكس ذلك التهاوي والأفول على بقية الدول العربية؛ حتى إنه لم يبق لها شيء يذكر.. وهكذا أفل دور مصر في جانبه الإيجابي ليتحول دورها إلى معول وضيفته إفساد سائر الجسد حتى أصبح الوطن العربي في صورة الجسد الميت الذي لم يعد فيه حراك أو فائدة إلا ما يشبه فائدة التشريح للجسد للتعلم.. وهكذا ردح العالم العربي عقوداً من الزمن تحت مطارق التشريح الفكري، فجربت فيه كل الأفكار القومية والنظريات الوافدة ليتحول دوره من بانٍ إلى مبليٍ بخلافات حول تلك النظريات الفكرية لتشغل الفكر والوعي العربي بما لا يعود عليه بالفائدة إلا بمزيد من التشريح والتجريح وتجزئة المجزأ ليصبح فتاتاً عليه الأنظمة العميلة تقتات..
وبينما الوضع هكذا ذليلاً فقيراً مريضاً جاء الربيع العربي, فأعاد مصر لجادة الطريق، وهنا بدأ التآمر بالتغيير يضيق، حيث انتشر نور الثورات كانتشار النار في الهشيم فزاد الثورات اشتعالاً وزاد حنق المتآمر استعاراً؛ حيث جاءت رياح الثورات تجري بما لا تشتهيه سفن المتآمرين؛ لهذا اضطر المتآمر أن يقف إعلامياً مع الشعوب وفعلاً مع الأنظمة أو بقاياها، حتى أننا لمسنا هذا التناقض بين ما يقال وما يفعل في الرؤساء الذين جاءت بهم المبادرات.. فرئيس مبادرة اليمن- مثلاً- نرى تصريحاته في وادي العباد وأفعاله في وادي الفساد، نسمع جعجعته بفضح ملفات الفساد في الوقت نفسه نرى طحينه في مطابخ الفاسدين، إنه يفصح عن الفساد بلسانه، ويمضي على تعيين الفاسدين ببنانه.
إضعاف مصر والتركيز عليها مخطط مدروس بامتياز.. لكن المضحك والمبكي والمخزي هو اشتراك المتضرر الأكبر في إضعافها "الخليج العربي", ويأتي هذا أن الخليج تولى كبر هذا الإضعاف ليكبر دور عدوه الأكبر كما يصوره إعلام الخليج نفسه؛ فليس ثمة شك أن إضعاف مصر يقابله استقواء إيران في منطقة الشرق الأوسط اللدود الأكبر للأمريكان في لهجة الخطاب؛ والود والحميم من وراء حجاب.. وهذا يعني أن الخليج في عمى مطبق، لأنه في مقابل إضعاف دور مصر خير منفق.. وعندما تختل لعبة التوازنات ويصير العالم الإسلامي إلى ضعف مطبق فإن الخليج أمريكا إلى إيران سوف تنفق.. فهل يدرك الخليج مغبة هذا التهريج أم سيظل في أمر مريج؟.. فإشعال نار مصر يقابله خمد نور ثوار سوريا واليمن.. وتآكل الدور التركي, إذ يتحول أو ينحرف من تمثيل دور الحياة والعمار إلى ما يشبه موظف إطفاء الحرائق, فما يحدث في مصر الآن سيزيد نقطة الانحراف أكثر إلى الأسفل، وبدلاً من أن تشب مصر وتمضي مع تركيا في البناء تتحول الأولى في الثانية إلى ما يشبه موظف الإطفاء لحظة أن كانت مهمته إشعال النور وجلب السرور.. إن دور الخليج يسعى بتجارة العالم الإسلامي نحو الكساد بمد يده في بلدان الثورات إلى معاول الفساد؛ إنه يريد إعادة أيقونة فرعون.. فرعون الذي طغى في البلاد ليكثر فيها الفساد.
وها هو الجيش المصري وتماشياً مع المؤامرة يعلن هدنة في مدة ٤٨ ساعة, لتتحقق للشعب مطالبه.. ولا ندري هل يقصد شعب التحرير أم رابعة, فقد جعلنا في صورة العجيبة السابعة أم الحقيقة الموجعة؛ فهل أصاب عقله التخدير لتقرأ عينه الشعب المصري مختزلاً إياه في التحرير.. زاويا بصره عن رابعة؛ حيث شعب التعمير؟!.. اللهم احفظ مصر من الهاوية نحو سوء المصير فأنت القوي الكبير.
د.حسن شمسان
لهذا كان التركيز على إفساد مصر! 1466