الشارع المصري يمر بمفترق طرقات قد تشكل منعطفاً حاسماً في تاريخ مصر بعد أن عاد المعارضون للرئيس محمد مرسي للتظاهر والاحتجاجات من جديد، ولكن مع اختلاف الوضع عن سابقه في الإعداد والتخطيط والترويج الذي فرضته القوى العلمانية والمناهضة للإسلاميين لجر مصر نحو مستقبل مجهول من أجل إسقاط نظام مرسي، وقد أطلق المعارضون حملة ضده منذ أسابيع تظهر نواياهم السيئة بشكل فاضح من خلال اسم الحملة "تمرد".
مهما تكن نوعية التسمية, فهذا لا يشكل نقطة اختلاف, لأن هذه الحملة إحدى أشكال التعبير عن الرأي، لطالما والبلاد تنتهج الديمقراطية التي تتيح لكل القوى المناهضة والمعارضة حرية التظاهر، ولكن المتمعن في الأمر والمتابع له بشكل مستمر يجد أموراً أخرى مخفية ومثيرة للدهشة ليست حديثة الشارع أو ظهرت مع هذه الحملة الأخيرة وإنما امتداد من الاحتجاجات السابقة التي كللت بالفشل.
لو دققنا في بداية الأحداث سنجد طرف الخيط لحقيقة هؤلاء المتظاهرين، وكيف أن ثورة يناير كابوس مخيف يراودهم كل لحظة, خصوصاً بعد وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة وتحولهم من جماعة مضطهدة لا تتجرأ على الظهور أو التكلم جهراً- فترة حكم المخلوع والديكتاتور العلماني مبارك- إلى جماعة حاكمة ومسيطرة على سياسة مصر، فبعد أن تخلصت ثورة يناير من آخر حلقات النظام العسكري المستبد الذي حول طريقة الحكم إلى سلطة غاشمة يتولاها العسكريون الذين قبضوا عليه بأيدي حديدية وفرضوا نظام ديكتاتوري تحت غطاء انتخابات وهمية مزورة إلى ما قبل قيام الثورة التي كشفت المستور وأظهرت كل خبايا تلك الأنظمة وأوجدت الديمقراطية والحرية المنشودة.
إن التطلعات التي يحلم العلمانيين في تحقيقه يجب أن تمر بعدة خطوت منتظمة ومرتبة جيداً من اجل العودة من جديد للسلطة، ولعل أهم الخطوات التي يعملون له مليون حساب أنهم يدركون طبيعتهم ومن يكونوا بالنسبة للمصرين، فأثناء فترة الحكم السابق العسكري ساد فيه الجانب العلماني على الطبيعة العسكرية وهو ما جعل الشعب المصري يعاني معاناة شديدة ومهلكه اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً جعلت المواطن هو من يدفع ثمن تلك الغلطات ويتحمل غبائهم السياسي وديكتاتورية حكمهم وجشعهم في الاستمرارية في السلطة ولذلك الكل تذوق مرارة المعاناة وليس الإسلاميين وحدهم من عانوا وجاعوا وشردوا..
إضافة إلى أنهم يدركون أن الخسائر التي تجرع المصريون مرارته وأطاحت بأحلامهم والقت بطموحات النهوض إلى عرض الجدران أتاحت الفرصة لطبقة معينة من الانتهازيين والفاسدين أن تطفوا على الشعب وتسير أمور البلاد كيف ما تريد والى أين ما تريد، والمرحلة السياسية للنظام المصري قبل الثورة فتحت المجال وأعطت فرصة لتوسع فجوة وسطوة الفاسدين وجعل النهب والسرقة ميزات خاصة للنظام، بالإضافة إلى مصادرة عراقة الحضارة الفرعونية والقضاء على القومية الوطنية مما جعلها أسوأ مرحلة سياسية, حيث زادت نسبة الفقر والبطالة والإهمال والقمع والتهميش والاغتيال والاحتكار، وكل ذلك من اجل الحصول على مقاعد ومناصب السلطة والسيطرة المطلقة على الحكم وعندما انفجر الشعب في وجوه الطغاة لكي يستعيد بلاده من أيدي أولئك الفاسدين والانتهازيين وليس لأجل أن ينصب الإخوان المسلمين حكام مصر ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وأدركوا انهم أصبحوا منبوذين وغير مرحب بهم في مصر وأن مكانهم الحقيقي خارج حدودها أو زنزانات السجن .
من ناحية صعود الإخوان إلى السلطة فانه أتى بعد المرحلة الأولى للثورة مرحلة خلع النظام ومع بداية مرحلة الثانية للثورة التي حرص المصريون على تأسيس دستور ديمقراطي يخدم مصالح الشعب لا مصالح الأشخاص, وإقامة انتخابات نزيهة وشفافة لاختيار الأفضل من أجل حكم مصر، وهذا ما حصل أثناء مرحلة الانتخابات عندما فاز مرشح الإخوان مرسي بجدارة واستحقاق وتم التصويت من الكل وليس الإسلاميين وحدهم من اختاروه، حيث أن الشعب المصري رأوه الأنسب والأجدر لتولي مسئولية حكم مصر بعد أن وجدوا أن من ينافسه أحد فلول النظام السابق الذي قامت الثورة من أجل إسقاطه وترحيله واجتثاث جذوره..
لذلك فإن العلمانيين يدركون أن إسقاط الرئيس مرسي ليس بالسهولة التي يروجون لها عبر أبواقهم الإعلامية التي سخروا عشرات القنوات والصحف لأجل هذا الغرض، كما أنهم يعلمون أن الشعب لن ينزل للمرة الثانية في غضون عامين ونصف ليسقط نظام آخر بعد كل ما عاناه جراء ظروف ثورة يناير، لذلك وضع هؤلاء السذج خطط بديلة أبرزها إثارة العنف والفوضى، وإغراق البلاد في بحور من الدماء وإظهار الرئيس مرسي وحكومته بموقف الفاشلين والعاجزين عن احتواء الموقف ويجب رحيله وهذه الطريقة التي يؤمنون بها لكسب تعاطف الشارع وعودتهم من جديد للحكم من خلال إبراز أنفسهم على أنهم الأجدر والأكفأ لحكم البلاد.
المتتبع للأحداث والمتعمق سياسياً في متابعة الوضع المصري يتضح له مباشرة أن تصرفات العلمانيين والقوى المؤيدة لهم يرى عشوائية تصرفاتهم وحقدهم على عملية التغيير, فإصرارهم على اقتراف الإثم السياسي ورفض جميع دعوات الحوار والمشاركة في السلطة لإنقاذ البلاد من الوضع الذي تمر فيه، كما رفضوا الانتخابات البرلمانية التي تتيح لهم ثلثي السلطة إذا فازوا فيها بحسب نص مواد الدستور المصري الجديد، الذي لم يتقبلوا صيغته أو مواده وأعلنوا رفضهم واعتراضهم على هذا الدستور وصياغته.. لذلك ما هدف هؤلاء وما نواياهم طالما والفرصة تتاح أمامهم والتنازلات تقدم لهم من النظام الحاكم وهم يتهربون ويرفضون كل ذلك؟.
عودة مع 30 يونيو والمصير المتوقع للبلد, فالأمر المرعب بالنسبة للشعب المصري والذي يخشى الجميع حدوثه حتى أولئك المعارضين لمرسي الذين رفضوا الخروج للشارع ودعم الاحتجاج المناهضة للحكم إذا أسقط مرسي، فماذا بعد ذلك؟.. الاحتمال الآخر كيف لو توصل جميع الأطراف إلى اتفاق بإجراء انتخابات مبكرة وأتى مرشح إسلامي- إخواني، سلفي, وفاز مرة أخرى هل ستستمر الفوضى؟, وكذلك العكس بالنسبة للإسلاميين إذا ما فاز مرشح علماني، هل هناك من يضمن عدم نزول الإسلاميين للتعبير عن غضبهم من العلمانيين وعدم تحسن الأوضاع على أيديهم خلال عام كما فعل العلمانيون مع مرسي؟.
ومع ذلك نعود إلى الواقع الحاصل في مصر ولننظر بواقعية مجردة إلى قيادات تلك القوى السياسية ومن يقود تلك التظاهرات والاحتجاجات، هل يصدق أحد أن شخصيات سياسية كهؤلاء (عمرو موسى والبرادعي وحمدين صباحي) ستقنع الشعب المصري أو ستنال ثقة الشارع للعودة من جديد للسلطة، وأنهم سيقدمون مصلحة الوطن، وسيرفعون معانة الشعب ويجعلون مصر أم الدنيا تعيش في رفاهية وتنافس الدول العظمى اقتصادياً؟.. إن كان ذلك سيتحقق عن طريق هؤلاء الجهابذة فليسقط مرسي الآن وليس في الثلاثين من يونيو، ولكن الأمور ليست بتلك السهولة, فالكل يعلم من هؤلاء, بالإضافة إلى أنهم يعرفون حقيقة أنفسهم ولن يقبلوا بتسلم السلطة في ظل هذه الأوضاع المتأزمة.
إن العلمانيين يعقدون آمالهم على طرق مغايرة ومنحطة، فهم يدركون أن هناك من سيرفض هذا الانقلاب الذي بدأ منذ أول لحظة وصل فيها الرئيس مرسي الذي اختاره الشعب للسلطة.. حتماً ستظهر أساليب بشعة اعتدنا أن نشاهدها في احتجاجاتهم ومظاهراتهم السابقة، فالقيادات حرصت على إيجاد عصابات مدعومة بالسلاح لإثارة الفوضى وترويع المواطن المصري، فعصابة "بلاك بلوك " وغيرها ممن امتلكوا السلاح هاجموا الشرطة واحرقوا مقرات الإخوان وحاولوا اقتحام مبنى الرئاسة أكثر من مرة أمام كاميرات وسائل الإعلام دونما أي خوف أو وازع أخلاقي, وكل تلك الأحداث توضح للجميع حقيقة العلمانيين وهدفهم إلى تغيير هوية البلاد وتجريد الدستور من مواد الشريعة الإسلامية والعودة إلى كرسي السلطة وقمع الجماعات الإسلامية كالسابق.. فهل يريد العلمانيين من 30 يونيو كارثة تنسف بطموحات وتطلعات الشعب المصري بكاملة؟، أم أنهم يريدون إغراق البلاد في مستنقع من الفوضى والعنف والدمار من أجل تلبية رغباتهم؟.