كون العاصمة صنعاء مهددة بالجفاف ومحاطة بالقبائل المسلحة التي دائماً ما تتدخل في شؤون الحكومة، وفي أوقات كثيرة تفرض وتحاول أن تفرض شروطها ومطالبها على العديد من وزارات ومؤسسات وأجهزة الدولة بقوة السلاح..
ولكون صنعاء مدججة بمختلف أنواع الأسلحة (الخفيفة والمتوسطة والثقيلة), مما أدى ويؤدي إلى ضعف مركز الدولة (العاصمة صنعاء) وبالتالي إلى ضعف أداء مختلف مؤسسات وأجهزة ومكاتب الدولة في مختلف مناطق ومحافظات الجمهورية، فأعتقد بأنه ولكي نصل إلى دولة مدنية، دولة المؤسسات والنظام والقانون، فإنه لا بد أن نختار محافظة مناسبة ومهيأة لتكون عاصمة بديلة عن العاصمة صنعاء، كمحافظة عدن على سبيل المثال، كونها لا تعاني مما تعاني منه العاصمة الحالية، وهذا سيؤدي (اختيار عدن عاصمة لليمن بدلا عن صنعاء) إلى تقوية مركز الدولة ومن ثم سيؤدي بالتالي إلى تقوية مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة على مستوى الوطن، وإلى بسط سيادة النظام والقانون على جميع اليمنيين وبدون استثناء.
قد يقول قائل ما: وماذا عن مخاطر تعرض عدن إلى الغزو والاحتلال إذا ما اختيرت عاصمة بديلة للعاصمة صنعاء، كونها مدينة ساحلية ولا تتوسط اليمن؟.
ولهذا القائل المفترض أقول: لقد تغيرت طرق وأساليب الدول الاستعمارية في احتلال البلدان، ففي السابق كان الغزو والاحتلال يتم عن طريق الحروب والغزو العسكري وإخضاع البلدان للاستعمار المباشر، أما في وقتنا الراهن فيتم الاحتلال عن طريق الحروب الاقتصادية والاستيلاء على الثروات الطبيعية للدول، عن طريق شركات التنقيب والتصدير والاستيراد والآثار.. وعن طريق- أيضاً- مؤسسات ومنظمات مدنية وحقوقية وسياسية وغيرها من المؤسسات والمنظمات التابعة للدول الكبرى، وكذا عن طريق التحكم بالمنافذ البحرية والبرية.. وكذا السيطرة على أجواء البلدان الصغيرة والضعيفة..
وعن طريق الابتزاز السياسي الذي تتبعها الدول العظمى مع العديد من الدول، وخاصة دول العالم الثالث.. وعن طريق قرارات ما يسمى مجلس الأمن الدولي.
كل هذه الوسائل والطرق الجديدة التي تتبعها الدول الكبرى تؤدي إلى إخضاع الكثير من أنظمة الحكم وفي المقدمة الأنظمة العربية وغيرها من الأنظمة المشابهة، للإملاءات وللارتهان السياسي والاقتصادي لتلك الدول.
وإذا كانت الدول الكبرى تفكر بالاحتلال المباشر لأي دولة، فلماذا تركت الصومال المنهار دون اقتحامه عسكريا واحتلاله؟!.. ولماذا لا تقوم الدول التي لها عواصم في الأطراف مثل الأردن وسورية وليبيا وغيرها بنقل عواصمها إلى العمق حتى لا تتعرض للسقوط بأيدي الدول الاستعمارية؟!.
الجواب هو أن هذه الدول لم تعد تخشى الاحتلال بقوة السلاح، كون المبررات والوسائل التي كانت تتعامل معها وبها الدول الاستعمارية في السابق لم تعد مناسبة وواقعية في وقتنا الراهن، ولكون الدول العظمى أصبحت تحتل الدول اقتصاديا وسياسيا وتغزوها ثقافيا وفكرياً.
وبالعودة إلى ما أشرت له في بداية هذه المقالة أجزم بأن الدولة اليمنية لن تستطيع فرض هيبتها إلا إذا ما توفرت لها الظروف المناسبة بالبدء بفرض هيبتها في مركزها الرئيسي (العاصمة صنعاء) وهذا مستحيل خاصة في الوقت الراهن، نتيجة لوجود ترسانة من الأسلحة المختلفة في عموم مديرياتها وأحيائها ومعظم منازلها أضف إلى ذلك المحيط القبلي بها، المدجج بالسلاح والذي لا تتعامل معظم مكوناته مع القانون ولا تعرف عنه شيئاً.
وفي الأخير أختم بالقول:" إذا ظلت الدولة اليمنية ضعيفة في مركزها فستظل ضعيفة على مستوى الوطن، وإذا تقوت في مركزها فبالتأكيد ستستطيع أن تبني نفسها وتبسط هيبتها في عموم مناطق ومحافظات الجمهورية، وهذا لن يتأتى إلا إذا نقلنا العاصمة إلى محافظة مهيأة أمنياً واجتماعياً وغير مهددة بالاقتحام من قبل المسلحين القبليين المحيطين بها أو بتدخل شيوخ تلك القبائل المسلحة بشؤونها وشئون الدولة، أو مهددة بنضوب المياه, كما هو الحال مع العاصمة صنعاء وبعض المحافظات كصعدة ومأرب وعمران وشبوة.