حر تصنع الحياة وترفع الجباه وتقهر الطغاة, فيقولها العظماء وتكتب بالدماء وتنير العصور الظلماء وتمحو العقول الصماء وتكشف ستار الجبناء.
كلمة بسيطة بحروفها, عظيمة بمعانيها واسعة بدلالاتها لا ينطقها احد إلا ورفع رأسه نحو السماء يتفاخر بها والحياة بدونها ناقصة فهي الكلمة ذات الحروف الرنانة التي تكشف معادن الناس فمنهم من يفضل الموت بدونها ومنهم من لا يبالي بها فيعيش مسلوب الكرامة فاقد الضمير عديم المشاعر الإنسانية الذي ميز الله ابن آدم بها, مثلهم مثل أنعامهم, ولله المثل الأعلى, فالحرية تتفاوت من حيوان لآخر ليس لقوته أو حجمه وإنما لإرادته فالطيور قوية الإرادة ضعيفة الجلادة قد تضحي بحياتها بالإضراب المفتوح عن الطعام داخل القفص مهما قدمت لها المغريات بعكس الأنعام فهي تتجاهل الحرية مقابل الحصول على مائها ومرعاها كما هو الحال عند بعض البشر.
إن الحرية موهوبة وليست مغصوبة وهبها المولى عز وجل لجميع خلقة, فكل الأمهات تلدن أبنائهن أحراراً وأبواه يدللونهم ويزرعون فيهم حياة الخوف خلال مراحل التنشئة الاجتماعية حتى يصبحوا مسيرين غير مخيرين, أمرهم بيد غيرهم يمكن إدارتهم عن بعد.
ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع أنها قضية العصر, فهي أكثر كلمة دوت مسامع العالم وشغلت كل وسائل الإعلام خلال العقد الحالي بداية من مفتحها ارحل إلى خاتمها الحوار, فاقترانها بأداة النفي (لا) تعني ارحل كف عنا شرك وخيرك اتركنا ابعد عنا فاللام لا وكلا ولن نقبل بوجودك أما اقترانها مع أداة العطف (أو) فتعني حوار فالواو حرف اللين ووضع الخيارات والقبول بالأخر والمعجزة أنها الحروف المشتركة بين الكلمتين "ارحل وحوار".
لكل ثورة هدف ومراحل فالهدف الحرية وأما المراحل فتبدأ بالرحيل وتنتهي بالحوار وإن كان الهدف غير مباشر كما يقال ثورة جياع أو ثورة ضد الفساد الإداري وو الخ, لكن في النهاية فالحرية تحمل مضمون كل ذلك, فحرية المرء في مأكله ومشربة وأمنه واستقراره وفكره ودينه, بالإضافة إلى حقه في صنع القرار وحصته من خيرات الوطن.
شر البلية ما يضحك:
يذكر أن الزعامات الدكتاتورية المخلوعة لم تفهم معنى كلمة الحرية حين صرخت بها الشعوب فمنهم من طلب مستشاريه بالرجوع إلى القواميس لترجمتها "علي صالح" ومنهم من لم يفهمها حتى اليوم نظام الأسد ومنهم من أنفق المال ليستبدل الناس عنها.. والمؤسف أن هذه العقليات المتحجرة الغبية الأمية بالأصح حكمتنا عقود من الزمن, لا أدري هل لأننا أغبى منهم فرضينا بهم؟, أم لأنهم استخدموا أساليب القمع والتذليل فخضعنا لهم؟.
والحقيقة أن الاستعمار رحل عنا واختار أغبى الناس للقيام بدوره- ذيول الاستعمار- ليتمكن التحكم بهم عن بعد, بعكس الأحرار وأصحاب المشاريع النيرة دائماً رافضون أي إدارة خارجية, فالحاكم العربي مجرد إنسان آلي يدُار بالريموت.
حتى لا يحتج احد الزعامات العربية المنقرضة وينكر أميته, فنحن نعترف انه قد يجيد قراءة ما يمُلى عليه, لكنه إن قرأ لا يفهم وإن فهم فلن يعترف بواقعة, فيعتمد الخيال ويتجاهل الحقيقة والكذب على الشعوب مهارة يجيدونها بجدارة.
بعض المسوقون للأنظمة المتهالكة يبررون لقمع الحريات تحت مسمى قيود الحرية للوصول إلى شرعنه الاستبداد, وفي المقابل فالأنظمة تمتع بحرية مطلقة بدون أي شروط على حساب حريات الآخرين.. ومن هنا يختل ميزان الحرية حينما يكون (فريق مدلل وفريق مكبل).
وأخيراً فالحرية أغلى ما يملك الإنسان ولا تسيء للذات ولا للآخرين, فهي حكمة في التصرف ورزانة في العقل واعتراف بالآخرين وانتصار للحق وعدالة متبادلة بدون مفاضلة ومجاملة.. والسلام أفضل ختام والحرية خير الكلام.
e.s.alsalami@hotmail.com