انطلقت شرارة الأزمة السورية من منطقة درعا وتحديداً من إحدى المدارس عندما كتب مجموعة من الطلاب على جدران هذه المدارس «الشعب يريد إسقاط النظام» والكلمة الأقوى التي هزت أركان نظامه هي «جاك الدور يا دكتور»... ثم قام أحد المعلمين, وكان مخبراً في الأمن السياسي, بالإبلاغ عن خمسة عشر طفلاً من الذين قاموا بالكتابة على الجدران..
بعد ذلك قام بعض وجهاء المدينة بالتوجه للأمن السياسي والذي كان يشغله العميد/ عاطف نجيب, ابن خالة بشار الأسد, طالبين منه العفو عن الأطفال كونهم متأثرين بالإعلام، فطلب عاطف إحضار الأطفال وسيقوم بإطلاق سراحهم في اليوم التالي، وفعلاً تم تسليم الأطفال وفي اليوم الثاني رفض عاطف استقبال وجهاء المدينة.. وقام بتحويل الأطفال إلى دمشق ودخل على العميد أحد وجهاء مدينة درعا طالباً العفو عن الأطفال, فقال له العميد: «الأطفال انسوا أمرهم، وقل للرجال أن يناموا مع نسائهم ليجلبوا أطفالاً جدد وإذا لم يكن هناك مقدرة لدى رجالكم أجلبوا لنا نسائكم».. وهنا ذكر بعض الكلمات التي أترفع عن ذكرها احتراماً لمشاعر آباء وأمهات الاطفال.. بعد هذا الموقف تحديداً بدأت الشرارة الكبرى للثورة السورية، ولو قام النظام باحتواء الموقف لتهدئة النفوس لانتهى الأمر، ولكنه الاستكبار والعناد من قبل النظام وجلاوزته.
بعد ذلك اعتصم الأهالي في الجامع بدرعا، وأرسل النظام تعزيزاته للمنطقة وقاموا باقتحام المسجد ونتذكر جيداً صور ماهر الأسد في بداية الثورة وهو يصور القتلى الأبرياء من هاتفه الخاص وانتشرت الصورة في أجهزة التواصل الاجتماعي، وحاصروا مدينة درعا بالكامل، وبدأت المجازر التي يندى لها الجبين.
وبدأ النظام السوري باتهام الشعب السوري الأعزل بأنهم عصابات مسلحة، وفضل المواجهة على القيام بإصلاحات حقيقية وعد بها الشعب عند تسلمه زمام السلطة، وضربهم بيد من حديد وبلا رحمة, بل بكل وحشية لم نسمع عنها في كتب التاريخ أو حتى أفلام هوليوود.. والحقيقة هي أن النظام عاجز وغير قادر على إجراء أي إصلاحات حقيقية أو حتى إصلاح حاله، لأن لديه «النظام» عقدة السيطرة والسلطة لوحدة واستئثاره بكل مقدرات البلد.
بعد هذه الأحداث ودمويتها بدأ «الجيش السوري الحر» يظهر ويتشكل، وتخيل لو أن تركيا لم تقم باحتواء هذه العناصر المنشقة من البداية لم يكن لهذه الثورة أن تنجح ولكان من السهل القضاء عليها من البداية، لأن النظام لا يفهم إلا هذه اللغة.. حتى استطاع الجيش الحر أن يكون قوة لا يستهان بها وهو يكسب على الأرض يوماً بعد يوم، ولكن دخول «حزب الله» الأراضي السورية في الفترة الأخيرة عقّد المسألة, بل وأصبحوا سدنة الاستبداد، كيف يقف حزب يدعي نصرة المظلوم وقوفه الفج بجانب الظالم المجرم بشار؟!.. وهذا ما جعل بعض الدول العربية تضغط على الولايات المتحدة الأميركية لتعلن بأنها ستقدم الدعم العسكري للجيش الحر، حتى يكون هناك توازن على الأرض وليس لحسم المسألة، ولأن النظام يحصل على السلاح من حلفائه بشكل ممنهج ويومي حتى بالرجال من دول عديدة.
أعتقد بأن الحل في سورية بات قريباً، خصوصاً مع تقدم الثوار على الأرض بشكل كبير وحصولهم على بعض الأسلحة النوعية، وأصبحت تكلفة النظام السوري عالية حتى من الذين كانوا يساندونه بسبب فشله في إخماد الثورة، ولأن الثورة السورية تسببت في استنزاف كبير لحلفاء الأسد، والحل في حكومة انتقالية تمثل الشعب السوري كافة ليبني وطنه من جديد.
* نقلاً عن "الرأي" الكويتية