أول مادة في دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية " القانون الأساسي " نصها كرامة الإنسان والتزام سلطة الدولة حيالها باعتبارها من أول الحقوق الأساسية، وكمن اكتشف كم هي كرامته مهانة ومهدرة وفي ذيل واجبات الدولة رحت مختالاً ومزهواً بكون كرامة الألمان فوق وقبل أي اعتبار أو حق ؟
نعم ظننت أن ندمائي الغارقين في لحظات خدر حشيش الكيف سيدهشون لكرامة الإنسان الألماني المتصدرة جميع الحقوق السياسية والدينية والفكرية واللغوية والعرقية والبنيوية؛ لكنهم مع ذلك ظلوا" مبحشمين"، سادرين، واحد منهمك كعادته في الكلمات المتقاطعة، أخر يتصفح الأنترنت وجل ما فلح فيه هو إخطارنا بحوادث فاجعة مأساوية أكثرها تنغيصاً خبطة قبائل مأرب ونهم، ثالث تجده مولعاً بنتف شعيرات شاربه وذقنه.
الوحيد الذي تحسبه مصغياً لكلامك ليس لذهنه وجود؛ فكل حواسه سابحة في عوالم لا متناهية من الهموم والمنغصات وقليل جداً هم "الموالعة" الذين يبتاعون وريقات القات لكي يستريحون ويحلمون ولو بلحظات مسروقة.
أول بنود المادة الأولى: كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها. فاحترامها وحمايتها يمثلان واجباً الزامياً على جميع سلطات الدولة. ثانياً: يؤمن الشعب الألماني بعدم المساس والإخلال بحقوق الإنسان كقاعدة أساسية للتعايش ضمن مجموعة بشرية، وللسلام والعدالة في العالم. ثالثاً: تلتزم السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بالحقوق الأساسية باعتبارها تشريعاً مباشراً ونافذاً.
هذه الحقوق بالطبع تشمل الحرية العامة والخاصة، الحق في الحياة، المساواة أمام القانون، حظر التمييز، حرية العقيدة والضمير والإيمان، حرية الرأي والتعبير والإعلام والفن والعلم وغيرها من الحقوق التي تصدرت مواد وفصول الدستور الألماني. حين قراءتي لهذه الحقوق الأصيلة في مجتمعات الحاضر صادف أن قدم صديق عائد لتوه من جنازة الزعيم الشهيد حسين الحوثي.
ربما ما سمعه عن مادة الكرامة جعله منصتاً للكلام؛ بل وبحفاوة يخالطها دهشه ورضاء بكونه حليفاً ونصيراً لجماعة أنصار الله المحاربة ببسالة وشرف في معركة تخاض في سبيل هذه الكرامة المنتهكة والمهدرة، لا كما هي حقيقتها ذائدة من اجل عراقة تاريخية نابعة من نقاء عرقي اثني متمايز ومتعال يماثل الفكرة العنصرية النازية ذاتها التي تم بناء الدولة الألمانية الحديثة على انقاض تلكم الفكرة المهلكة المدمرة القاتلة لملايين الألمان الذين مازالوا يدفعون ثمن هذه الفكرة الشوفينية القائلة "بتفوق وتمايز ما للجنس والدم الاريين".
يا لهذه المفارقة، ففي الوقت الذي برأت وتبرأ فيه المجتمعات الأوروبية والأمريكية من عضال التمايز العرقي والديني واللغوي ؛ بل ويُجرَّم هذا التمييز القائم على جنس الأنسان أو منبته، عرقه، لغته، وطنه، أصله، إعاقته، عقيدته أو رؤيته الدينية أو السياسية ؛ تنافح مجتمعاتنا العربية اليوم وبكل شراسة وهوادة كي تسقط في أتون معركة خاسرة ومكلفة جدا على شعوبها الفقيرة المنهكة المتعبة غير محتملة لخوض معركة من هذا القبيل.
نعم.. شعوب العالم تجهد ذاتها في مسائل عولمية أكثر أهمية لتعايش الجنس البشري وفي تفرده وتمايزه العلمي والاقتصادي والعسكري والديمقراطي، فيما نحن ننحدر رويداً رويداً صوب معارك عرقية وطائفية لا يتشرف بها سوى من كان معتوهاً وسقيماً ذهنياً وعقلياً ونفسياً وقابعاً في كهوف الجهل والتخلف والبداوة والانغلاق الثقافي والحضاري؛ فكيف بمجتمع عصري ويدعي انتمائه لحقبة الألفية الثالثة؟.
في زمن مضى وتوارى بعيداً كان مثل هذا التمايز العنصري المتكئ على أفضلية من أي نوع له ما يبرره خاصة في ظل هيمنة العصبية الشعوبية والقومية والدينية، إما أن يكون هذا التفوق لمجتمع ما مازال سائدا الآن ؛ فلعمري أنها مأساة عظيمة لا تستوجب أكثر من الشعور بالخجل والعار ! فهل يدرك هؤلاء بمقدار العبث المهدر للدم والحياة والوقت والمال والقوة؟.
ليت جماعة أنصار الله يعوا ويعقلوا حقيقة أن هزيمة الفاشية والنازية لم يكن قط بسبب هزيمة جيوشهم في جبهات القتال؛ وإنما هذه الهزيمة نتيجة لهزيمة الفكرتين المؤمنتين بتفوق ما للقوميتين، فما فكرة أو دين أو دولة أو مجتمع يدعي بصفوية ما دينية أو عرقية أو لغوية ومن ثم يمكنه الادعاء بانتمائه لامة قوية ومزدهرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وصناعياً وديمقراطياً.
ليت خصوم انصار الله يدركون أيضاً بانهم جزءا من هذه المأساة التي نعيشها واقعا، فإذا كان أخوتنا الباحثين عن عراقة ما تمنحهم السلطة والجاه والنفوذ ؛ فإنه بالمقابل هنالك جماعات سنية متخشبه بمفاهيم متعصبة ليست من دين الإسلام بشيء، فكل ما أنتجته هذه العقلية المناهضة اليوم لفكرة الحق التاريخي في ولاية البطنيين لا يتعدى فكرة الحق المتواتر لآل قريش وفي طاعة عمى للطغيان.
في الحالتين الفرقتين بؤرتين ازيليتين مناقضتين لفكرة العدالة والمساواة والكرامة الانسانية فهذه جميعها مصانة ومبجلة في شرائع الله وخلقه، إنها اصل الدين والوجود كما ومقدمة على الصلاة والصيام والأمارة والقرابة؛ وحتى احقية الحسن والحسين علي وعمر وعثمان ومعاوية وسواهما من صحبة وعثرة النبي الكريم الذي مهما بلغت قرابتهم ومنزلتهم منه؛ إلا ان جميعهم في النهاية ليسوا أنبياء أو رسل إذ ان أثرهم لا ينبغي أخذه وكأنه محل قداسة ودين لا لبس فيه او شك او نزوع بشري يستوجب المراجعة والتصويب والتبيان .