كان العرض السابق للأحداث التي جرت في سقيفة بني سعد دليل وعي الصحابة بحقوقهم السياسية والمدنية المتمثل في الاختيار الحر لأمير المؤمنين وإن أي رأي أو اجتهاد أو فتوى تتعدى هذا الحق هو دعوة صريحة للاستبداد الذي ابتليت به الأمة وعانت منه ألواناً من الذل والاستعباد حتى هذه اللحظة.. ومما يؤكد حقوق الأمة السياسية والمدنية الأحداث التي أفضت إلى اختيار عمر بن الخطاب أميراً للمؤمنين, فقد استطاع أبو بكر الصديق أن يوجه طاقات الأمة وقدراتها للقضاء على حركة التمرد المسلحة ويعيد للمدينة أمنها واستقرارها ويؤمن جميع أقاليم الدولة الإسلامية في فترة زمنية قياسية(11ه-13ه)بعد هذه الأحداث اشتد المرض بابي بكر الصديق فجمع حوله الصحابة ورد عليهم إمارتهم ليختاروا أميراً منهم فرد الصحابة الكرام الأمر للصديق فأشار عليهم بعمر فبايع الصحابة عمر بن الخطاب أميراً عليهم.. بهذا الوعي السياسي الرائع والسلوك الحضاري المتميز تم اختيار عمر بن الخطاب أميراً للمؤمنين.. لم تستدع الآيات والأحاديث, لا تخويف, لا تخوين, لا تهديد, لا عسكر, لا حرس, لا سيوف انسلت ولا دماء أزهقت في هذا الأمر.
ولم يكن ترشيح أبي بكر الصديق لعمر وصية له بالإمارة كما فهمه البعض, فلم يصر عمر أميراً إلا بعد البيعة العامة الحرة من الصحابة ولم يكن اجتهاد معاوية في أخد البيعة لابنه يزيد إلا انحرافاً عن المنهج الراشدي ومصادرة لحق الأمة السياسي والمدني في هذ الأمر وتمهيداً لقيام الحكم الاستبدادي الأسري, حيث تحول الحكم فيه من شوروي جماعي راشدي إلى فردي وراثي ظالم ابتليت به الأمة وفتح عليها أبواباً من الفتن والشرور وتأكد حق الأمة في اختيار حكامها التجديدات والتحديثات التي أجراها عمر من أهمها وآخرها دعوته لانتخابات تنافسية تعددية حرة ونزيهة وشفافة تفضي لاختيار أمير للمؤمنين.. بالرغم من التكنلوجيا التي وصلت إليها أوروبا وأمريكا إلا أن فقه عمر في هذه التجربة السياسية والمدنية يسبق الغرب بآلاف السنين ويعد عمر بحق أول مؤسس لنظام دمقراطي بمرجعية إسلامية... حاول غلاة العنصرية والعصبية الجاهلية أن يشوهوا هذه التجربة المدنية الرائدة وان يزيفوا وعي الأمة بحقائقها ويسيئوا إلى دعاتها وحملتها من الصحابة الكرام..
لقد كان الحكم في العهد الراشدي حكما مدنيا مارست الأمة في ضلة حقوقها السياسية والمدنية بدون انتقاص أو إكراه من احد وكان الحاكم في هذا العهد نموذجا رفيعا للإنسان المتواضع السليم من علل التطلع والإعجاب بالرأي يرى الكبير أباً والصغير أخاً والباقين إخوة وأخوات لديه فقه الوصول إلى الله وابتغاء مرضاته (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا).