إن الاستراتيجية الإيرانية المنتهجة في الوقت الراهن، وعملية اللجوء إلى تصدير " التشيع " نحو البلدان الإسلامية والتخلي عن استراتيجية القوة واستعراض الأسلحة ولغة التهديد والخطابات الجذابة والشعارات الرنانة مع الدول العظمى تثير العديد من التساؤلات، وذلك لما تتركه هذه الاستراتيجية من تأثيرات على الأمة الإسلامية عقائدياً وسياسياً، وعلى الإسلام مستقبلاً، وعلى المذهب السني خصوصا مع استمرار انتشار التشيع في أوساط شعوب الدول الإسلامية.
ولعل أهم التساؤلات المثارة على ارض الواقع: ما أهم الدول المستهدفة لتصدير التشيع؟, ما الفائدة السياسية التي تعود على إيران؟, كيفية انتشر الفكر الشيعي في الدول الإسلامية وما أبرز الوسائل المستخدمة في نشر التشيع؟.
الملاحظ عليه أن طريقة تصدير التشيع نحو البلدان الإسلامية لا تتم بشكل عشوائي أو بأساليب غير منتظمة، بمعنى أن ما تقوم به إيران ومرجعيتها الدينية ليس الهدف والمبتغى منه وجه الله ومرضاته أو تعظيم لمكانة "آل البيت ", فالأهداف المنشودة من كل ذلك الأعمال والخسائر المادية والبشرية لسيطرة الفكر الشيعي تعد سياسية في المرتبة الأولى، وثم عقائدية، حيث تترجم تلك الأهداف على ارض الواقع باحترافية عالية وخطط دقيقة ترمي إلى تحقيق سيادة واضحة للفكر الشيعي وإحياء للأثر الفارسي في منطقة الخليج الذي اقتلع الإسلام جذوره المجوسية قبل 14 قرناً.
لذلك نجد الساسة والمرجعيات الشيعية يستيقظون كل يوم وهم يتطلعون إلى إغراق الدول الإسلامية بالمد الشيعي واستعادة السيادة للإمبراطورية الفارسية والقضاء على الجذور السنية وهذا يعد مستحيلاً مهما استخدمت إيران من أساليب.
مع تزامن انطلاق ثورات الربيع العربي حرصت إيران للوقوف إلى جوار الشعوب الثائرة حباً ورغبة في تصدير الثورة الخمينية وعقيدتها الإمامية العنصرية وتوغلها في أوساط الشعوب الإسلامية، وهوكان بمثابة الحلم لأولئك الفارسيين, كونها اقصر الطرق والأساليب لاستغلال مرحلة إسقاط الأنظمة وانتشار الفكر الشيعي وعودة الدولة الفارسية، ولكن بمجرد اكتواء الأنظمة الموالية لإيران بزخم الموج الثوري سقط القناع تلقائياً وتعرت سياسة تأييد ثورات الربيع العربي، وأصبح النظام الإيراني بمرجعيته يتخبط في مستنقع الحروب وإعلان العداوة للثورات بعد أن كنت إيران تنظر إلى تلك الدول لقمة سائغة يسهل ابتلاعها رويداً رويداً.
عودة مع التساؤلات السابقة والإجابة عليه فان ما يتوجب علينا النظر إلية بعين مبصرة هو تلك الدول التي وفرت لها مكينة التشيع دعماً اكبر واهتماماً فريداً من خارطة الاستهداف واستطاعت نشر الفكر الشيعي بنسبة عالية ولعل أبرزها: العراق، سوريا، أفغانستان، اليمن، لبنان، البحرين..
لذلك نجد حلم عودة الخليج الفارسية هو المقصود وما يبرهن أن هذا الحلم غدى مطلباً رئيسياً هو تسريبات لبعض الإحصائيات التي رصدتها الحكومة الإيرانية لتمكين الفكر الشيعي من التوسع، حيث خصصت ميزانية ضخمة جداً لتبليغ التشيع وإرسال مبلغين شيعة ولإقامة الفعاليات المذهبية الشيعية عام 2006م بلغت قيمتها 215.620 مليار تومان إيراني (حوالي 2.3 مليار دولار) حسب ما نشره موقع "شيعة نيوز" في ذلك العام، وهذه الميزانية الضخمة والتي لم يعرفها تاريخ التبشير بالتشيع مثلها إطلاقاً تنبئ بجهود ضخمة قادمة لنشر التشيع في المستقبل، بالإضافة إلى أن الصراع الطائفي بين السنة والشيعة جعل من رجال الأعمال والأثرياء المحسوبين على المذهب الشيعي مجبرين على دعم تلك الميزانية وزيادة تلك الأموال إلى أرقام مهولة قد تضاهي وربما تفوق ميزانيات نشر الإسلام ذاته في العالم، وكل هذه المليارات تضخ سنوياً لحمل أهل السنة على مفارقة معتقداتهم.
وإلى جانب الإمكانيات المادية الهائلة هناك عشرات الفضائيات، ومئات المؤسسات، والكثير من الحسينيات، والاحتفالات السنوية، حيث تجيش كل هذه الإمكانيات لنشر الفكر الشيعي في الداخل الإسلامي الذي لا يتجاوز نطاق المليار مسلم..
لكن حتى تبدو الفرصة مواتية بشكل طاغٍ؛ فإن نشر العقيدة الشيعية واستقطاب الأتباع مستمر على قدم وساق في أكثر من زاوية أهم تلك الزوايا القوى الرداكالية في الوطن الإسلامي، وقد أثرت هذه الزاوية على المشروع الشيعي سلباً وعرت الفكر الشيعي أكثر عندما اتخذت هذه القوى القرار باستخدام السلاح والتمرد على الأنظمة ومحاولة إقامة دولة داخل الدولة كما حدث بجنوب لبنان من أتباع حزب لله، وأيضاً ما تحاول أن تفرضه جماعة الحوثي في صعده.
لذلك فان كل هذه الأحداث والمحاولات الهادفة إلى فرض التشيع في الدول الإسلامية هو لأجل القضاء على هيمنة الإسلام وعودة الفارسية للصدارة والسيطرة، وللاستدلال أكثر على خطورة هدف هذا التمدد الشيعي هوما يجري من تحالفات مع القوى والأنظمة المناهضة للإسلام، وأهم تلك التكتلات المشتركة مع الليبراليين باسم التحرر من النظم السلطوية ومحاولة تقديم إيران كنموذج ديمقراطي رغم ثيوقراطيته الواضحة وسيطرة المرجعية الخميني على رسم سياسة الدولة، بالإضافة للتحالف مع اليساريين عموماً باسم رفض الإمبريالية الغربية والوقوف في وجه أمريكا، وما يؤكده هذا الاجتهاد والسعي والتحالف أن الهدف واحد الانتقام من الإسلام، واستعادة الإمبراطورية الفارسية.. ولعل محاولة إيجاد مركز تقوقع في دول الخليج الإسلامي والبحث بهستيريا لنشر التشيع لا يأتي من جانب الصدفة لطالما وطهرن تولي البلدان التي تحمل أثر الدولة الفارسية القديمة الاهتمام الأكبر في توسعها، والتي هي محل توق فارسي قديم ومتجدد لإعادة "أمجادها".