sraeed@gmail.com
مقدمة لا بد منها وإن كانت تترك في الحلق غصّة وحسرة على زمان قديم كنّا فيه السادة والمسيطرين, تجوب فيه جحافلنا العربية الإسلامية العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه فاتحين لا مستعمرين باسطين العدل ولديننا الحنيف ناشرين ناصرين كنّا وأقول كنّا نتفيأ مظلة الدين وتجمعنا اللغة وعادات وتقاليد، كنّا بها متمسكين تحمينا وتهدينا نحو الصراط المستقيم.. تبدّل الحال وأصبح غير الحال وبتنا نتقوقع على أنفسنا متفرقين مهزومين وانتصرنا على بعضنا بأيدي الغرب والكفرة وأسلحة المارقين الغادرين وهم في منظورهم ليسوا لنا بالمنتصرين وإنما مصالحهم وعيونهم على خيراتنا وهي هدفهم وليس نحن كما يصور الأمر لنا كثير من الخائنين..باتت أحوالنا يرثى لها وخسرنا العادات والتقاليد وقبلها الشرف والدين وماتت النخوة بيننا وأصبحت قوميتنا تتراوح ما بين سين وجيم ..نعيب زماننا والعيب فينا وما للزمان عيب سوانا..نكيل لبعضنا الاتهامات جزافا وكلنا شركاء فيما أصابنا وفرّق وحدتنا ومزّق قوّتنا وفي غياهب الظلمات ألقى بنا ورمانا، حتّى ربيعنا العربي الذي تغنينا فيه بداية ما لبث أن تحوّل إلى خريف بمعنى الكلمة.. لماذا؟..لأننا ببساطة اكتشفنا متأخرين نحن أبناء الشعب البسطاء أن من أجج تلك الثورات وأشعل نيرانها لم يكن يهدف إلى الإصلاح أصلا ولم يكن يهدف إلى إحقاق الحق ونشر العدل وإنما كان هدفه الاستئثار بالسلطة وموقع القرار وبعد كل ما حدث من قتل ودمار وعودة بنا للخلف عشرات السنين نكتشف اليوم أن لا فرق بين من طالب بالإصلاح ومن كان أصلا فاسداً ومسيطراً وكان بيده القرار والأمثلة أمامكم فها هي مصر العروبة وأهلها يندبون حظهم ومن جديد عادوا يتغنون بزمان قد فات ،على أنّه كان أفضل وأحسن من هذا الحال وها هي ليبيا تتجه إلى الانقسام والدمار وكل يوم تفجير وقتل وتشرذم ووجودها الإفريقي العربي نحو اندثار وتونس والفرقة والنزاع على السلطة هما العنوان وسوريا وما أصابها من دمار وقتل واغتصاب كل ذلك بدأنا نستشعر متأخرين أن السلطة والسيطرة هي الدافع وأن الحال لن يتغير إلى أفضل مما كان عليه الحال..وما يبعث على الغصة أننا ندمر خيراتنا ومرتكزاتنا بأيدينا ويقتل منّا الأخ أخاه والملوك والسلاطين على عروشها تنتظر وتناظر والشعوب هي التي تدفع الثمن جرّاء بساطتها وجهلها في أنها لا تعدو كونها الأداة في أيادي هؤلاء القتلة على اختلاف مسمياتهم مصلحين أو قادة ومسيطرين.
لقد حلمنا بربيع عربي يخرج أقطارنا من التخلّف والتبعية والاستبداد والفساد ، تشوقنا لتحرر كل الشعوب المحتلة وإجبار غزاة اليوم والأمس على الاعتذار، تمنّينا ربيعا عربيا نشاهد فيه بأعيننا كل الطغاة وهم يساقون للمحاكم العادلة ويعاقبون على أفعالهم في حقّ شعوبهم، لقد ناضلنا من أجل ربيع عربي ينظّف بلادنا من الرشوة والفساد ويزيدها شفافية وصرامة، ويقرر خلاله الشعب العربي من يحكمه بحرية ومن دون تزوير ولا انقلاب على إرادته، بل يجعل روح الإنسان العربي غالية وقطرة دمه تساوي النفط العالمي كله.
أردنا ربيعا عربيا يسقط الحدود ويوحّد الأقطار كما توحّد الغرب، ويجعل المواطن العربي يتنقل من قطر إلى قطر ببطاقة هويته فقط ولا أحد يسأله عن وجهته ولا نقطة انطلاقه.
لكن عندما جاء هذا الذي يسمى تجاوزا "الربيع العربي" بالعملاء من الخارج لقيادة شعوبنا وذبحها على عتبة الغزاة والمرتزقة ، وصارت الأقطار تسقط تباعا تحت الاحتلال، البداية مع ليبيا والحبل على الغارب في سورية وبلدان أخرى يخطّط في الظلّ لتفتيتها حتى تتكاثر القواعد العسكرية الأجنبية على أرضنا.
أنستنا حمى البطولات الثورية الوهمية حتى فلسطين المحتلّة، وتجاهلنا بها العراق الذي ذبح فيه الملايين من البشر. كما أنسانا هذا "الربيع" أفغانستان التي تمرّغ فيها أنف أمريكا وحلفائها، ثم الشيشان وكشمير... الخ.
"الربيع العربي" الذي حوّل ليبيا من دولة بغضّ النظر عن سلبياتها كباقي الدول العربية أو حتى أسوأ، إلى مقاطعات تمرح فيها خنازير حلف الناتو وعملاء الموساد.
"الربيع العربي" الذي غذّته فضائيات الكذب والبهتان وصناعة الأحداث وتلفيق الصور ودبلجة الأصوات ودفن الحقيقة تحت ركام القصف وبين جثث الأبرياء، وأدى إلى قتل وتشريد وجرح مئات الآلاف حتى صار فيه دم المواطن العربي أرخص من دم البعوض.
"الربيع العربي" شتّت الدول فلا نجد دولة تهتم بشأن أخرى وكل حاكم غارق في همّ نفسه علّه يحمي فخامته من هذه الثورات العارمة، والأخطر أنه جاء من أجل تنفيذ خرائط خفية أحكم رسمها لتقسيم الدول العربية إلى دويلات وطوائف وقبائل متناحرة فيما بينها، لتبقى "إسرائيل" هي "الدولة" العظمى والوحيدة التي تعيش في أمن واستقرار وتقدّم بالشرق الأوسط ، كما حوّل أقطارنا وترابنا وشعوبنا إلى فئران لتجريب أسلحة فتاكة تُدفع أثمانها من قوت صغارنا وجياعنا، و للأسف دمّرت البنى التحتية وتحولت الشعوب إلى بدو رحّل لا يشاهدون شاشة ولا يتواصلون مع العالم الخارجي في عصر الأنترنيت.
"الربيع العربي" الذي يخرج الشعوب من استبداد الحاكم الفلاني ويضع رؤوسهم تحت أقدام الغزاة والعملاء، وأشعل الحروب الأهلية والطائفية والقبلية لأجل تمكين هذا الوزير من إسقاط ذاك الزعيم لحسابات بينهما لا تنفع الناس بشيء.
"الربيع العربي" الذي يرفع علم إيطاليا وفرنسا وأمريكا في مدينة عمر المختار، ويجبر الناس على تقبيل هذه الأعلام ورفس راية قدسوها لأكثر من أربعين عاما، وسيجعل من دمشق عاصمة العباسيين والأمويين مجرد خراب تنعق فيها الغربان على خطى بغداد التي كانت أعظم مدن العالم.
هذا هو "الربيع العربي" الذي أرادته الادارة الامريكية وحلفائها وسرقت به ربيعا تغير عندما فاجأهم في تونس، وكان يتدحرج ككرة الثلج لسحق الأعداء والعملاء والحكام الخونة، ويعيد أمجاد شعوبنا التي نهبها الفساد والاستبداد والاستعمار.
قد يزعم البعض أن هذه هي البداية لتحقيق الربيع المنشود، ولا يمكن أن نصل إليه من دون ضريبة دم ودمع وخراب، لكن هؤلاء يتجاهلون أن حكامنا تسلطوا على رقابنا بدعم خارجي ولا يمكن أن يتوب الغرب من دعم الاستبداد، ولن تبزغ الديمقراطية من حكام جدد احتلوا قصور الرئاسة مقابل جثث أبادها أجانب قرروا إنهاء صلاحية حكام سابقين، كما أنه من العبث دوما أن يكون قدر شعوبنا الموت سواء في ظل الديكتاتورية أو الانتفاضات أو حتى مرحلة ما تسمى "إعادة الإعمار" التي لن تستفيد منها سوى شركات أفلستها الليبرالية المتوحشة، ولم يجد حكام الغرب غير ثروات العالم العربي لنهبها باسم التغيير والديمقراطية، بعدما كانوا يسرقونها تحت الضغوطات الدولية لأجل ترقية حقوق الإنسان وحماية الأقليات.
شتان بين ربيع حلمنا به لشعوبنا حتى تخرج من التخلف والتبعية، إلى نور الحضارة والازدهار، وآخر أعاد بلادنا قرونا إلى الخلف لتبقى غارقة في الحروب والصراعات ثم الترميم والتضميد وبعدها عضّ النواجذ من الندم ، في حين سيواصل الغرب تطوره بعدما خدّروا ودمّروا خصومهم وضمنوا الأموال التي تحميهم من الأزمات الممكنة وغير الممكنة ، فإن الربيع العربي الذي نريده هو الربيع العربي الحقيقي الذي يطيح بحكومات الانتداب والفساد ، ويطرد الاحتلال، وينسف كل هذه الحدود المصطنعة الوهمية بين العرب والمسلمين، ويعيد توزيع ثروات العرب والمسلمين على العرب والمسلمين بشكل عادل..
إن الربيع العربي الذي نريده هو الربيع العربي الذي يعيد للأمّة وحدتها وعزّتها وكرامتها، لا الربيع المصطنع الذي جاء بتخطيطٍ من أعداء هذه الأمة لسنواتٍ مضت، ولا الربيع الزائف والكاذب الذي يتسوّله الإرهابيّون من الخارج ومجلس الأمن تحت ذريعة الثورة وتسميتها.