في مطلع العام2011م ثار معظم الشعب اليمني إن لم يكن كله ضد نظام الحكم العائلي الذي حكم البلاد والعباد وعاث فيها فسادا , واستأثر بكل شيء واختص به لذاته ولحاشيته وكل من سار على شاكلته, دون أن يحصل الشعب والمواطن البسيط على أقل القليل من حقوقه التي كفلها لها قانون السماء قبل قانون الأرض ودساتيرها المزيفة..
وكان يرمي الثائرون ويطمحون لأن يجتثوا ذلك الحكم من جذوره ويستأصلوا شأفته وكل من له صلة به ليخلقوا وطناً جديداً صحيحاً معافى, ليس للأسر الحاكم والنافذين والمستبدين فيه مكان وأن تعطى الحقوق لأهلها وترد المظالم لأصحابها الذين حرموا منها طيلة حكم النافذين والمستبدين الذين لم يكن للإنسانية بداخلهم ضمير ولم يكن للرأفة والرحمة والخوف من الله بين ثناياهم مكان.
وفعلا أستطاع الثوار وبعد جهد جهيد وسقوط العديد منهم في ساحات الصمود والنزال والسلم والشجاعة بين شهيد وجريح أن يجتثوا حكم الديكتاتور ويسقطوا مماليك عرشه وقلاعه وحصونه التي احتمى خلف أسوارها كل تلك الفترة المظلمة التي لم ير فيها الشعب قط خيراً ولم ينعم فيها بالأمن والأمان وراحة البال ولم يذق طعم الراحة والسكينة والهدوء قط, بل كانت حالهم تزداد سوء وتعقيداً مع مرور الأيام وتتالي الأعوام وتأكل الشهور..
وحينما سقط الديكتاتور وتلاشى ملكه وحكمه وخارت قواه هلل الكل وكبروا واستبشروا خيراً وتنفس الثوار الصعداء رغم جراحهم وآلامهم وحزنهم على من فارقوا من أهليهم وذويهم وكل عزيز على قلوبهم, إلا أن الفرحة العارمة التي اجتاحت دواخلهم بددت كل ذلك الهم والألم والحزن الجاثم على صدورهم وبدأت أطياف وآمال الوطن المدني الجديد تتراء في الأفق البعيد وتخطوا نحوهم في خيلاء وتباهي ويتلقونها أفواجا مهللين ومكبرين وفرحين بها ومسرورين, وكلا يرسم وطنه وحلمه وغده على طريقته التي لا تتعدى الأمن والأمان والاستقرار وراحة البال والعيش في وطن يسوده العدل والمساواة بين كل أبناءه بعيدا عن المحسوبية والمكانة والمصالح وقاعدة (الأقربون أولى بالمعروف) ومبادئ النافذين التي انبثقت منها قاعدة نفسي, نفسي وليذهب الباقون إلى الجحيم, وليسحق الشعب تحت حوافر الجوع والفقر والبطالة والتعاسة..
كل هذه المبادئ والسخافات والشعارات الظالمة بددها الشعب وسحقها تحت أقدام الثوار الذين رابطوا ليل نهار في الساحات والميادين وكل مواقع البطولة والشرف والبسالة ورموها إلى مكان قصي, حيث اللا عودة واللا رجوع وحيث ينسى كل من نسي شعبه ووطنه, ولكن هل أتت الثورة ثمارها وهل حصد الثوار والشعب خيرها ووصلوا لغايتهم وهدف ثورتهم التي راح ضحيتها الكثير من الشباب؟, هل استطاعت الثورة إن تصل لذلك الحلم المنشود؟, وهل اجتثت الفاسدين من جذورهم وبددتهم ودكت عروش الظلم والفساد؟.
لعل تلك التساؤلات تجول في خاطر الكثير من الشباب وممن يعيش في هذا الواقع المزري وتبحث بنهم عن الإجابة الشافية دون أن تكون مجرد إجابات دون مضامين, لأن الواقع ذاته يخبر عكس كل هذا.. ويجبرك على الخوض في معترض البحث والتساؤل عن السبب الذي أدى إلى عدم بلوغ الثوار غايتهم وهدفهم المنشود الذي خرجوا من أجله, وعدم تحقيق الأهداف المنشودة, ومن هي الأيادي الخفية التي تتلاعب بالوضع وتقف خلف عمليات التخريب والمعاناة التي لا يزال يرزح تحت وطأتها الشعب؟ ولماذا حتى اللحظة لم يجتث الفاسدين ويعاقب النافذين ويقصي الديكتاتورين بعد أن ثبت بالدليل القاطع فسادهم وقام الشعب بأجمعه ضدهم ليعلن نفاذ صبره وعدم مقدرته على تحمل المزيد من ألاعيبهم القذرة وتغييرهم واجتثاث جذورهم؟.
نتمنى أن لا تذهب تلك الدماء هدر وتلك الأرواح التي أزهقت هباء , وأن يدرك كل من يترأس أو يحتوي أو يمثل أي جزاء من الدولة أن الشعب مل من تلك الألاعيب القذرة وتلك الممارسة الدنيئة في حق من بعض من يدعون الوصاية ويريدون عودة عجل الزمان إلى ما قبل الثورة..
لأن الشعب إذا ضاق ذرعاً وهاج ضدهم فلن يكبح جماح ثورته أحد أو يقف في طريق إعصار التغيير أحد مهما كانت قوته وجبروته ونفوذه, والعبرة فيمن سبق من الديكتاتورين والنافذين الذين عاثوا في الأرض فساداً وأهلكوا الحرث والنسل وباتوا مجرد ماض لا يذكر منه سوى الظلم والفساد والمعاناة.
فهد علي البرشاء
من تلاعب بالثورة؟ 1274