(من كان يؤمن بمحمد فإن محمداً قد مات ومن كان يؤمن بالله فإن الله حي لا يموت), عبارة قيلت قبل أربعة عشر قرناً وأكثر, وفيها تجسيد مذهل لمبدأ أن ديمومة الحياة لا يمكن أن ترتهن بموت أحد أو بحياته حتى وإن كان رسول البشرية جمعاء, فالحياة مستمرة وديدنها التقلب والتغير وعدم الجمود عند ثابت لا يتغير.. إنما عندنا في اليمن, وكما نعرف جميعا, تنعكس كل قوانين الوجود ونصر أن نرتهن لشيء واحد وشخص واحد ونؤمن ونعتقد به وليس بعمله وإنجازاته وندور في فلكه وأرضه وسماءه وكأن الحياة لن تستطيع أن تنجب سواه أو تجود الدنيا بشبيهه..
المحزن والمخزي حقا أن مبدأ استمرارية عجلة الحياة طُبق قبل قرون مضت بينما نحن في القرن الواحد والعشرين مازلنا نتمحور عند العجز والارتهان والارتكان ونتصارع صراع العاجزين عن تغيير واقعهم..
هو حالنا منذ عقود خلت, استوطن فينا اعتناق الأشخاص لشخوصهم لا لأفعالهم وإنجازاتهم وما قدموه وأبلوه لوطنهم خلال مسيرتهم العملية, ولا أدري ما سر هذا الاعتناق أو من ذا الذي جعله مبدأ سيّرنا عليه واقعنا الحياتي والسياسي والاجتماعي لدرجة عجزنا عن اقتلاعه وتبديله بمبدأ أن الدنيا لن ينتقص منها شيء إن كان غيرهم أفضل منهم, وإن كانوا أفضل, فلما لا يأخذون نصيبهم هم أيضاً في الحياة والواقع العملي..
يبدو أنه صار من الصعب بل من المستحيل أن نعتنق غير هذا المبدأ المتوارث العقيم والشاهد على ذلك تمحورنا حول الأشخاص في كل ما يحدث في بلادنا منذ سنتين, عمر ثورة الشباب, ورفْضِنا التسليم أن الانجاز هو ما يجب أن نفخر به وليس الدفاع عن الأشخاص والولاء لهم وكل ما دونهم باطل حتى وإن كان الوطن..
ويبدو أيضاً أن مفعول السحر لهؤلاء الأشخاص أقوى من مفعول حب البعض وولاءهم لوطنهم, بحيث استطاعوا تجميد تلافيف أدمغة البعض عند شخوصهم فقط وعدم تجاوزهم لما غيرهم وصرنا أعجز عن تغيير واقعنا وأفكارنا وقناعاتنا والرقي بواقعنا للأفضل لما فيه تجدد وعدم تمترس عند نقطة واحدة وكأن من أوجدها لم ولن يوجد غيرها..
فبعد أن تمترسنا خلف سادة ومشائخ ووجاهات وزعامات نظرية ومكثنا نستظل بجلبابهم القاتم لدرجة التقديس والتنزيه ورفض المساس بقداستهم وصار اليمن سيدي علي وسيدي حسين وسيدي عبدالله وسيدي حميد و و و إلخ, وبقينا محلك قف, رغم ذلك لم نتعلم من تاريخ فشلنا أبداً.. ويبدو أنه يحاول أن يعيد نفس للأسف الشديد وها نحن نحاول أن نعيد مشروع التمديد من جديد من خلال الجدل الحاصل اليوم عن التمديد للرئيس هادي ومن ثم التوريث وهكذا نعيد الكرة من جديد..
خلال سنتين مضت من عمر الثورة الشبابية السليمة سارت القوى السياسية على تنفيذ المبادرة الخليجية وكأنها كتاب مقدس ومنزل من السماء ولم تنقض حرفاً, بالرغم من أن نتائجها كانت مخيبة لآمال كل من نزلوا الساحات وجعلت من ثورتنا ربع ثورة ونتج عنها محاصصة ومقاسمة وتكرار الوجوه بنفس المضامين العقيمة, إنما في أشكال مغايرة, الوزراء هم الوزراء المدراء هم المدراء الوجوه نفس الوجوه المضامين ما تبدلت وما استفدنا غير واقع مكلوم حد النحيب ووطن يتآكل كل يوم أكثر من الذي يسبقه.. ولم نستفد منها سوى التنافس على من سيحصل على الوزارة الفلانية ومن سيصبح مدبراً ومن سيغدو غفيراً ومن سيعتلى ذلك الكرسي ومن سيحط عنه والشعب يلتحف الظلام ويرتوي الضمأ ويدفن في لظى الغلاء والنزاعات والخوف على نفسه من رصاص الموت العشوائي.. فلماذا لا تنتفض هذه المبادرة ونحن نحاول تغيير قداستها وتغيير بند منها فيما يخص التمديد؟, لماذا؟.
إن كنا نريد فعلاً أن ننتقل باليمن لأفق أرحب وأقل عتمة وقبحاً وتخلفاً علينا أن نغير مبدأ أن الحياة ستتوقف عن شخص معين ولن تشرق الشمس من مخبأها إن لم يكن هو في الوجود, وعلينا أن نكفر بقناعة أن الوطن من دون شخص بعينه سيتحول لركام وسيغدو أنقاضاً, وأن ننكر فكرة أن شخصاً واحداً فقط بيده ملكوت النجاة والخير كله.. حينها سننجــــــو.
سمية الفقيه
لم ولن يموت اليمن برحيل أحد!! 1336