قد يكون التجمع اليمني الإصلاح إن أحسنا الظن من أفضل التجارب الإسلامية في الوطن العربي, كونه استطاع أن يقدم نفسه بصورة سلمية رائعة ومقبولة عند الآخر, لهذا استطاع أن يخلق جواً من القبول والرضا لدى القوى الاشتراكية واليسارية والقومية والناصرية ويصل معهم إلى مشروع سياسي مشترك, وهذا عمل ليس بالسهل, حيث ساعد على تقديم نموذج لعمل سياسي رائع يجب الاحتذاء به, مع هذا يظل مرضى النفوس اقل من أن ينالوا من هذا المشروع والفكر المتأصل في عمق ووجدان أبناء اليمن شمالاً وجنوباً..
عندما نشيد بتجربة كالإصلاح أننا ننكر ما عند الآخرين من الخبرة والتجربة ولا يعني أننا نبرئ الإصلاح من الأخطاء التي رافقت سنوات عمره, فهناك ثمة مآخذ على بعض مواقفه السياسية وتصرفات بعض أفراده واجتهاداتهم الشخصية.. لكن كما قالها احد قياداته التاريخين يوماً:" من أين لنا بحزب أو جماعة تتمثل قيم الملائكة؟" وهذا بالطبع من المستحيلات "فكل ابن آدم خطاء" وأين الحزب أو الجماعة الأكثر نجاحاً في واقع الحياة العملية في اليمن حتى لا نتطاول في حقه أو نبخس ناسه أشياءهم؟.. وقيل: من لا يعمل لا يخطئ.
نعم الإصلاح كتجربة بشرية فيها من القصور الكثير ولهذا دائماً ما تتجدد هذا التجربة وتقيم بين الفينة والأخرى وتظل مواقفه السياسية في اغلبها توفيقية غير صدامية, لهذا لا تعجب البعض من ذوي الأهواء وطالبي قطف الثمار قبل نضوجه, لكنها في كل الأحوال مقدرة بزمنها ومكانها وهو في كثير من القضايا السياسية والوطنية قد حسم أمره بموقف شركاءه في أحزاب المشترك, فمعظم قراراته اليوم لا تخرج عن إجماع هذه الأحزاب, بل قل الإجماع الوطني, لكن يبقى السؤال: لماذا يحارب الإصلاح؟.
الإصلاح والحرب بالإنابة:
يحارب الإصلاح كفكر إسلامي وكمشروع حضاري, كونه الأجدر في الساحة والأكثر تأثيراً وقد قالها احد الرفاق من قيادات الحراك وقالها آخر من الحوثيين يوماً: "الإصلاح أكثر خطراً من غيره, كونه يحمل مشروعاً وفي نفس الوقت منظم وهذا ما يخوفنا من تحقيق أهدافنا", والأهداف التي يقصدها من وحي كلامه هي مجموعة الأهواء والنزوات والأفكار القديمة الجديدة التي يختزلها بعقلية الصراع الطبقي والطائفي بين الرجعيين والتقدميين وتحت ستار مظلمة الجنوب أو غيرها التي هو جزاء من صناعتها أصلاً, متناسياً أن صراع القيم بات لا يؤمن بالجغرافيا ولا بالطائفية ولا يعير لصراع التاريخ حدوداً.
والهجوم على الإصلاح والتضييق على بعض أنشطته من بعض قوى الحراك الجنوبي في حقيقة الأمر لن ينتفع منها الحركيون, بل سيخسر من خلاله الحراك الكثير من أنصاره ومؤيديه وسيخلق جواً مشحوناَ بالتوتر في الجنوب لن يساعد على الاستقرار والبدء في إيجاد الأرضية الآمنة كطريق للتفكير في الحلول الممكنة للقضية الجنوبية, وكل هذا سيفتح الباب إلى تحالفات إقليمية وداخلية في حقيقتها قد لا تخدم القضية, بل قد تساعد في انتشار الأفكار المتطرفة والدخيلة كانت يسارية أو علمانية أو إسلامية وتمدد تواجد القاعدة كغطاء إسلامي باسم " أنصار الشريعة" وكوعاء ومحضن يملأ الفراغ الروحي والتدين الجارف الموجود اليوم في الجنوب.
هذه التعبئة الممنهجة ضد الفكر الوسطي المعتدل الذي يحمله الإصلاح قد تكون تبعاتها خطيرة على النسيج الاجتماعي للمجتمع ووحدته الفكرية, وسيكون الخاسر الأول فيها أبناء الجنوب كونهم الحلقة الأضعف في تحمل أي اهتزاز أو خلل مجتمعي قد يحدث لا قدر الله, ونستطيع أن نقرأ ذلك من عدة أوجه من أهمها:
أولاً: ما للتيار الإصلاح من ارتباط اجتماعي وفكري وتنظيمي مؤثر في المحافظات الجنوبية وهذا موجود كأرقام حقيقية لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر أو رجل يقرأ الواقع بعين واحدة يصعب عليه فيها تقدير الواقع بحقيقته ومن زوايا مختلفة, ولهذا من يدير هذا اللعبة القذرة اليوم بالطبع أتباع الرئيس السابق وبعض المتربصين بالإصلاح, كونهم يدركون مدى الخطر الذي يشكله الإصلاح في عملية توحيد النسيج الاجتماعي للمجتمع ووحدة الفكرية وهما أهم عاملين في أي استقرار لأي بلد, كون بقاء هذه الأنظمة الدكتاتورية الصدئة قامت في الأصل على تقسيم المقسم وتفريخ المفرخ وتحويل الصراع من مع النظام إلى صراع مع المجتمع وذاته وغدت الحرب اليوم بين أقطاب المجتمع اجتماعياً وفكرياً أكثر منها سياسياً.
ثانياً: نوع المعركة التي هو عليها الإصلاح ونظراؤه من الإسلاميين في محيط الربيع العربي معركة "وعي وثقافة وفي نفس الوقت تغيير وإصلاح وبناء وتنمية" وليس معركة هوية وجغرافيا, بل تكمن في الإنسان المستبد والجاهل في الدرجة الأولى وهي تحررية في كل الحالات, فالأصل أن نكون على دراية بواقعية المتغيرات والأحداث الإقليمية والعالمية وان نحسن كسب الموافق وتقليل الخصوم, فما خلقته الثورات العربية من واقع جديد اظهر فيه الإسلاميين كقوة مجتمعية حقيقة مؤثرة وغدت صاحبة قرار حقيقي بأثر شعبي ثوري.
والإصلاح في اليمن امتداد طبيعي لهذا التيار الذي يتشكل كقوة مؤثرة في المنطقة العربية, فعلى سبيل المثال غدا بعض رؤساء الوزراء العرب والنواب والداخلية اكبر الدول العربية, هم من رواد هذا التيار الجارف, بمعنى أن هذه العلاقة والترابط الفكري والمجتمعي بين هذه الدول يدفع إسلاميو اليمن للتأثير بطريقة وأخرى على موقع القرار العربي و الإسلامي في اتخاذ مواقف قوية تجاه ما يحدث في اليمن بالمعنى.
إن العداء للإصلاح دون وجه حق هو توسيع دائرة الخصومة مع دول ثورات الربيع العربي, فهذا الاستعداء الممنهج ضد واحد من أهم فصائل الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق صالح لن يخدم القضية الجنوبية ويمكننا أن نسوق مثلاً بسيطاً لعقلاء الحراك, فالقاهرة محطة مهمة بالنسبة لقيادات الحراك الجنوبي فأي سوء تفاهم معها قد يضر بالعلاقة ويحد من أي نشاط سياسي من أراضيها إذا أصبح عدائياً.. ولهذا فخوض المعركة الإعلامية من قبل بقايا نظام الرئيس السابق والبعض من الحراكيين والحوثيين ضد الإصلاح, من كونه الخطر على القضية أو الجنوب كما يروج له البعض, تبدو لكثير من المتابعين معركة بالوكالة أراد أصحابها أن تدور رحاها في الجنوب, كونهم يظنون خطأً أن الجنوب معقلهم الأصلي وبمقدورهم التمترس خلف مظالم أبناءه والحيلولة دون التمدد الإسلامي, وهذه المعركة نسجت خيوطها أطراف عدة لها خصومات جديدة وقديمة مع الإصلاح, فغدت مع الحراك تتنفس من رئة إعلامية واحدة.
إذ تبقى تساؤلات مهمة: ألم يكن الإصلاح يوماً جزءً لا يتجزأ من اليمن؟, ألم يكن الإصلاح هو المدافع الأبرز والأقوى عن حقوق اليمنيين منذ ولادته؟, ألم يكن الإصلاح وأفراده هم من قادوا الثورة وضحوا بخيرة شبابه دفاعاً عن حقوق اليمنيين وفداءً للحرية وبحثاً عن العدل والمساواة؟, وهل الإصلاح هو الماسك بزمام السلطة باليمن؟, أليس حزب المؤتمر هو المسيطر والماسك بزمام السلطة ورئاسة البلد ونصف حكومة الوفاق؟.. كم يشغل حزب التجمع اليمني للإصلاح حقائب وزارية في حكومة الوفاق؟, أليس الإصلاح هو الحزب الوسطي المعتدل والمناسب والأجدر لقيادة السفينة اليمنية إلى بر الأمان؟.. إذا لماذا هذه الحملة الشعواء والشنعاء عليه ومن المستفيد الوحيد منها؟, أليس بقايا نظام الرئيس السابق؟, أليس هم أولئك البعض الذين يريدون أن يحققوا أجندة خارجية ويدخلوا اليمن بصراعات طائفية؟.
إذاً فليعلم الجميع أن معركتنا مازالت مع الرئيس السابق (علي صالح) وهي لم تنته بعد, ففي الوقت الذي ذهب صالح من منصة الحكم نبقى أمام معركة مع الصالحية من بقاياه من جهة ومعه كزعيم عصابة خارج إطار الدولة من جهة أخرى, وعلى هذه القاعدة يجب أن نحدد وجهتنا ومعركتنا السياسية ونعبر باليمن نحو إصلاح شامل في جميع جوانب الحياة.
سليمان دبوان
الإصلاح والرقم الصعب 1615