تمر الأيام والأسابيع والمحاكم والنيابات مغلقة والقضاة وأعضاء النيابة مضربون عن العمل القضائي والمتقاضون يتساءلون في كل يوم عن مصير قضاياهم وحقوقهم المعتدى عليها وعن مواعيد الجلسات التي لم تعقد وعن الدوام وانتهاء الإضراب؟.. أما أصحاب القضايا المستعجلة والمساجين الذين انتهت مدد حبسهم المحكوم بها أو حبسهم الاحتياطي فجميعهم يعيشون في قلق دائم, بل وفي جحيم مستمر, لاسيما أصحاب القضايا الجنائية العدوانية أو غيرها من القضايا المنظورة أمام القضاء المستعجل ؟ فتوقف القضاة عن عملهم يُعد كارثة كُبْرى حلت على الشعب اليمني, لان حقوق الناس وأموالهم تتعرض للنهب والسلب وأعراضهم وكرامتهم تتعرض يومياً للمخاطر والاعتداء عليها ولا يجدون قضاء يلتجئون إليه لحمايتهم وحفظ حقوقهم وصيانة ممتلكاتهم.. والقضاة يدركون ذلك, لأنهم مواطنون قبل أن يكونوا قضاة وما حدث للقاضي (خليل العريقي) رئيس محكمة السدة من اختطاف واهانة واعتداء عليه وعلى مرافقه جريمة جسيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبكل المقاييس, فالاعتداء ليس على القاضي فحسب بل على السلطة القضائية والمحامين والشعب برمته لان يد الإجرام إذا طالت القضاة المُوْكَل إليهم حماية المتقاضين المظلومين فلن تجد نصرة لمظلوم, لأن القاضي لم يعد يأمن على نفسه ولن يستطيع الحكم بالحق والعدل إلا إذا كان مستقلاً في قضائه ومحمياً في نفسه وأهله ومقر عمله وطريقه وبيته.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل استمرار الإضراب وضياع قضايا المظلومين هو الحل؟.. والإجابة على هذا السؤال هي: انه طالما وقد مضى على الإضراب ما يزيد على أسبوعين دون جدوى ودون إنصاف من الحكومة, فبقاء الإضراب واستمراره ظلم وجور, لأننا نشم رائحة كريهة وخبيثة تتمثل في التآمر على القضاء وإسقاط هيبته من قبل عناصر فاسدة لا تريد قضاء ولا يهمها أمره وقد كانت في الماضي تسعى لسحب البساط منه.. والنافذون جعلوا من أنفسهم بديلاً عنه ومن يلجأ إليه يعاقب بشتى الوسائل. والفاسدون قبل ثورة فبراير 2011م هم الفاسدون والأشد فساداً بعدها ولا يزالون جاثمين على كراسيهم وباقين في مناصبهم.. وقانون التدوير الوظيفي لم يطبق منه شيء, فهو في الأدراج يعلوه الغبار والأتربة.. والمعتدون على القاضي المذكور هم من مديرية السدة.. وعلى الرغم من استمرار القضاة في الإضراب, إلا أن السلطة التنفيذية في المحافظة لم تقبض على المطلوبين وكأن توقف السلطة القضائية عن العمل لا يعني السلطة التنفيذية أو أن القضاة يتبعون دولة أخرى مجاورة وليس الجمهورية اليمنية, فأعداء الثورة الشبابية والشعب اليمني لا يهمهم الاعتداء على القضاة ولا على أعضاء النيابة ولا يهمهم توقف الفصل في قضايا المظلومين وضياع حقوقهم, كما لا يعنيهم الاعتداءات المتواصلة على أبراج الكهرباء وبقاء المواطنين في الظلمة وتوقف الأعمال في الإدارات والمصانع وغير ذلك بسبب الاعتداء على الكهرباء, كما لا يعنيهم تفجير أنابيب النفط ولا يهمهم بقاء المعتقلين من شباب الثورة داخل معتقلات (الرئيس السابق) لمدة تزيد على عامين دون الإفراج عنهم, هذا فضلاً عن المخفين.. فكأن الفاسدين من المسئولين يتلذذون برؤية هذه المشاهد وسماع أخبارها وكأن ما يحدث مدروس ومخطط له من قبل تلك الفئة التي ساءتها الثورة الشبابية وساءها التغيير, فلسان حالهم يقول للشعب هذه هي الثورة التي قمتم بها فعيشوا بفوضى واعتداء على القضاة والكهرباء والنفط.. أما في عهد الرئيس (السابق) فلم يحصل شيء من ذلك.
والحقيقة أن الوضع السابق كان أكثر تردٍ وفساد.. فهل يدرك الأحرار والأذكياء والثوار والوطنيون هذه المؤامرة الخبيثة على الثورة والوحدة والوطن؟.. باعتقادي أن الكثير والكثير من أبناء الشعب يدركون ذلك, لكن المطلوب من حكومة الوفاق الوطني أن تضرب بيد من حديد على أوكار الفساد وتقبض على كل معتدٍ أياً كان انتمائه وتحاكمه محاكمة علنية على شاشة التلفاز ليكون عبرة لغيره, سواء كان المعتدون أفراداً أم جماعات وإلا فعليها الاستقالة وغيرهم أفضل منهم واقدر على إدارة حكومة جديدة..
فهل يعي القضاة النزيهون الشرفاء ما ذكرناه آنفا؟, فإذا كانوا كذلك فلتكن صدورهم واسعة وليقرروا تعليق الإضراب والعودة إلى أعمالهم وهناك حلول ووسائل ضغط على السلطة والحكومة لإيصال المعتدين ومن هذه الحلول نقل محكمة ونيابة السدة من المديرية إلى مقر محكمة ونيابة استئناف محافظة إب ولا يعادا إلى المديرية إلا بعد تسليم جميع الجناة المعتدين على القاضي إلى جهة الاختصاص ومحاكمتهم أمام القضاء, فنقل المحكمة بالطريقة التي ذكرناها سيشكل ضغطاً شعبياً كبيراً من أبناء المديرية على أسر الجناة الخاطفين, فيقومون بتسليم الجناة, هذا فضلاً عن الضغط على المحافظ, باعتباره المسئول الأول للدولة يجب عليه بسط هيبتها وسرعة تسليم الجناة إلى الجهات المختصة ليتسنى لها التحقيق معهم ومحاكمتهم, فالاعتداء على القاضي هو اعتداء على الشعب واعتداء على حقوق المواطنين.. فتحياتنا لكل القضاة النزيهين أصحاب الضمائر الحية الذين يحكمون بين الناس بالعدل والحق والمساواة دون مجاملة أو محسوبية أو ميل لاحد ولا يخافون إلا الله تعالى ويحكمون بشرعه.
أحمد محمد نعمان
إضْرَابُ القُضَاةِ وَالنِّيِابَةِ.. إلَى مَتَى ؟ 1396