إن الخلل على مستوى الآلة ينتج بسبب سوء الاستخدام من مقتنيها أو عيب في الصنعة من صانعها.. لكن ونحن نتحدث عن الإنسان فإن الله قد خلقه في أحسن تقويم (فتبارك الله أحسن الخالقين), فالعيب في الصنعة محظور الحديث عنه هنا, أي ونحن نتحدث عن فطرة الإنسان (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير), فالعيب لا يمكن أن يكون في الآلة الإنسانية, لو جاز لنا التعبير , أو في أحد محركاتها أو أجهزتها, إنما العيب ينتج من سوء الاستخدام فحسب.
ولما لم يترك الاستخدام بيد العجماويات, أي المخلوقات غير العاقلة, لم يحصل في سلوكها الوظيفي ثمة خلل يذكر إلا عندما يحصل لها مرض عضوي؛ فإنه قد يسبب خللاً في وظيفتها التي تشارك فيها الإنسان, الذكر والأنثى, على هذه البسيطة؛ فلو كان هناك خلل في الآلة الإلهية لقرأناه في سلوك المخلوقات غير العاقلة؛ لأن الله هو الذي يقودها بحرمانها من أدوات التعقل والتعلم، وبهذا يستحيل حصول الخطأ في سلوكها الوظيفي لعدم إمكانيته أو وجوده في فطرتها, فهي خلقت لتُقاد حسب برمجة يعلمها الخالق وحده ومن هنا لا تبقى ذرة احتمالية في حصول اختلال..
بمعنى أن الإنسان الذي ترك إليه قيادة نفسه واستعمال أدواته يبقى عرضة كبيرة لحصول الاختلال وهو يستخدم تلك الأدوات, لأنه لم يتبع بنود التعليمات الإلهية والمتمثلة في القرآن الكريم, إنما استعملها حسب هواه.. فأدوات الإدراك (السمع والبصر والفؤاد) مثلاً, فإن الإنسان هو المسؤول عن إدارتها بحسب الترتيب الذي جاء متفرداً في كل القرآن لهذه الأدوات؛ فالترتيب يوحي أو نقرأ فيه أن الإنسان المستقيم الواعي يكون أكثر عقلانية وأقل عاطفية؛ لكن إذا قادته عاطفته مقدماً (الفؤاد) "العاطفي" في الاستعمال والتعامل الوظيفي عن (السمع والبصر) "العقليان"؛ يبدأ حصول الخلل؛ إذ حسب بنود الاستعمال الإلهية التي نستقيها من الترتيب يكون المطلوب من الإنسان (الذكر) أن يعمل بعقلين مقابل "عاطفة", حينها سيبدأ يرتقي من مفردة "ذكر" إلى مفردة (رجل) التي قرأنا لها تميزاً وتفرداً في الاستعمال القرآني، حيث ذكرت ثلاث مرات وفي سياقات إيجابية بامتياز.. أما إذا لم يتبع تلك التعليمات السابقة الذكر وعمل حسب هواه بعاطفته (الفؤاد) وقام بتحييد "عقليه" (السمع والبصر), إذا جازت لنا التسمية, فإن سلوكه عند ذلك يمتزج بين الذكورة تارة وبين الأنوثة تارة أخرى, فلا يكون سلوكه عقلانياً أو يقترب من العقلانية, إنما يكون أقرب إلى العاطفية التي ليست وظيفته, فهي أقرب إلى الوظيفة الأنثوية؛ لهذا وصفت المرأة بالعوج (الميل العاطفي) دون "الذكر", لأن الأصل في الأخير أن يكون مسئولاً أولا وأخيراً عن حسن الاستخدام الذي يفرز دائماً الرجل "المعتدل" أو الواعي، أما في حالة سوء الاستعمال فإنه يحصل العوج أو الميل الوظيفي الذي هو من طبيعة المرأة, فلا يعيب الأخيرة ويحقر الأول؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طبيعة المرأة وامتداحها بما يشبه الذم:" المرأة كالضلع إن جئت تقيمه كسرته وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج", أي "ميل عاطفي" وهذا الميل هو من صميم خلقتها الذي جبلت به ويستحيل التخلص منه, لأن هذا يعني التخلص من أنوثتها, فهو إذاً ميل يجملها ولا يعيبها إطلاقاً إلا عند من يعمى بصره عن قراءة نصوص الوحي وبلاغتها وحجية إقناعها, فيذهب إلى وصف المرأة بأنها "ناقصة عقل ودين" لأنها تؤدي وظيفتها الأنثوية حسب فطرتها الرقيقة؛ فتغلب العمل بفؤادها وهذا أبداً لا يضيرها ولا ينقص من قدرها، ويظهر كذب وافتراء من يصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين, في حين أن المرأة كاملة وساعتها لا نجد تجاه من يقرأ نصوص الوحي على هذا النحو إلا أن نقول له إن عقلك ووعيك وفهمك هو الذي يعاني من ذلك النقص؛ لأن الميل العاطفي ينقص من قدر الذكر فيظل أشبه بالمعلق, لا هو صار رجلاً مسؤولا ولا أنثى يؤدي وظيفته مثلها، وساعة ذلك يحصل الخلل في البنية الاجتماعية التي هي أصل البناء والعمار؛ فتنحرف عن مهمتها الأصل لتبقى متعاركة في معارك جانبية سببها سوء الاستخدام للأدوات التي ينبغي أن تنتج رجلاً متميزاً بناء وعند الحق وقافا وعند الزلل رجاعاً, لكن سوء التدبير والاستخدام إنما مرجعه اتباع الأهواء وترك تعاليم خالق الإنسان والسماء ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم), فعندما لم يحسن استخدام أدواته التي كان ينبغي مع الحسن أن تفرز عالماً بصيراً (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً), ثم امتن علينا بأدوات العلم (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) لنعمل حسب هذه التعليمات, فنعمل بعقلين وعاطفة, فلما اختل ميزان العمل وأعملنا عواطفنا حصلت المشاكل والاختلالات فينزع كل مختل إلى أنه هو الأفضل والأكمل وينسى أن الكمال لله وحده.
د.حسن شمسان
الخلل في الآلة (الإنسان).. يحصل نتيجة سوء الاستخدام 1596