تفتقر المرافق العامة التعليمية في اليمن للبناء الأكاديمي السليم وفق معايير علميه دوليه وفي أطار استراتيجية وطنيه للتعليم العالي سواء فيما يتعلق ببناء بنية تحتية للتعليم العالي في اليمن أو اختيار برامج التعليم العالي أو تحديد أساليب تطويرها.
وتحديداً يمكنا القول إنه ومنذ العام 1990 وبعد الوحدة وفي ظل دستور بناء الدولة اليمنية الموحدة الديمقراطية اعتمد اليمنيون في صلب دستورهم التعددية الحزبية في ظل نظام ديمقراطي يسمح بذلك، ألا أن الممارسة السياسية في ظل هذا النظام الديمقراطي حديث النشأة والتي كانت بعيده عن المعايير العلمية السياسية وأسلوب بناء الأحزاب التي كانت مجرد ديكور لخدمة الحزب الحاكم في تلك المرحلة التاريخية من تاريخ اليمن الحديث وعدم ديمقراطية الأحزاب في بنائها الداخلي وان اليمنيين مازالوا في بداية ممارسة العمل السياسي الديمقراطي كل ذلك وغيره من الآثار المتعلقة بالنظام الديمقراطي والسياسي الحاكم لليمن خلال الفترة منذ قيام الوحدة اليمنية العام 1990 وحتى اليوم كان ومازال يؤثر تأثيراً كبيراً على أسلوب البناء الأكاديمي للمرافق التعليمية في مجال التعليم العالي.
ضيف إلى ذلك هشاشة النظام الديمقراطي اليمني خلال هذه المرحلة وحداثة بناء الدولة اليمنية وتوجه الأحزاب الرئيسة التي كان لها دورا بارزا في تحقيق الوحدة اليمنية والتأسيس لدولتها إلي صراع سياسي بينها يحقق مصالحها الحزبية وسيطرة أيدولوجياتها السياسية على الإطار العام لبناء الدولة وأسلوب تشييدها أو السعي نحو تحقيق مصالح شخصيه ضيقه للقائمين على سياسة هذه الأحزاب المعارضة تماما للمصلحة العليا للوطن وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع اليمني.
وكنا قد أشرنا في كتابات سابقه إلى أن وزير التعليم العالي في عقد السبعينات من العام الماضي عند أنشاء كلية الحقوق بجامعة صنعاء وهي أول جامعه يمنيه في ظل التاريخ الحديث لليمن تاريخها يحكي تاريخ تطور التعليم في اليمن هي ونظيراتها في باقي المحافظات والتي كان لها دور رائد في بناء وتأسيس نواة باقي هذه الجامعات الحكومية عندما أنشأت بعض الكليات التابعة لها كفروع لتكون أساس لبناء هذه الجامعات ومنها جامعة تعز التي كانت كلية التربية والتجارة فيها كليات تابعه لها قبل تاريخ أنشاء الجامعة الأخيرة العام 1993.
كان يسعى هذا الوزير المعروف بثقافته وعلمه الغزير ألي بناء هذه الكلية على أسس علميه معروفه وموافقة لشروط الجودة.
إلا أن سيطرة بعض الأحزاب التي كانت تمارس عملا سياسيا محظور كان لها دورا فاعلا في التأثير على أسلوب تحديد البناء الأكاديمي لهذه الكلية وتحويلها من كلية حقوق ألي كلية شريعة وقانون حيث سيروا المظاهرات للمطالبة بتحويلها إلي كلية شريعة وقانون وكان لهم ذلك لأسباب كثيرة ليس هنا متسعا لتحديدها كاملة منها على سبيل المثال طبيعة المجتمع اليمني المحافظ ونسبة الأمية الشائعة فيه في تلك الفترة التاريخية من تاريخ اليمن الحديث.
وعندما فكر أستاذنا القدير الدكتور عباس الجنيد ببناء كلية الحقوق في تعز العام 1997 كان للعمل السياسي ودور الأحزاب الرديء المعطل للوصول ألي بناء أكاديمي للمرافق العامة التعليمية في مجال التعليم العالي تأثيراً لا يمكن تجاهله, حيث كان هناك حزبين مسيطرين هم المؤتمر والإصلاح ومن المعروف أن حزب المؤتمر معروفا بأجنحته الممثلة للأحزاب اليمنية الحقيقية في الواقع اليمني وهي الإصلاح والناصري وغيرها وإبراز هذا الأمر هنا ليس من باب النقد لحزب المؤتمر بقدر ما هو إبراز لحقيقة هذا الإطار الحزبي الذي حاول ضم مختلف أطياف الشعب اليمني لضرورة اقتضتها طبيعة الفترة التاريخية التي حكم بها هذا الحزب اليمن.
والسؤال الهام الذي نحاول الإجابة عليه هنا كيف أثرت هذه الظروف السياسية على البناء الأكاديمي للمرافق العامة التعليمية في مجال التعليم العالي؟ محاولين مناقشة هذا الموضوع من خلال معرفتنا بالفترة التاريخية لبناء كلية الحقوق تعز و ذلك كالآتي:
أولاً: كان تحديد المقررات الأكاديمية في الكلية وتحديد عدد الساعات يتم بشكل سليم في عهد أستاذنا الدكتور عباس الجنيد وفق نظام كليات الحقوق في العالم العربي والدولي مثل جامعة القاهرة وأسكندرية وعين شمس وبغداد.
ثانياً: عندما بدأت الكلية بالتطور وتوالت قيادات أكاديمية من أجنحه أخرى لحزب المؤتمر كان هناك تطور في هذا البرنامج الأكاديمي للكلية بين الشد والجذب حيث كانت القيادات المنتمية إلي الأجنحة الناصرية والاشتراكية بالكلية تتجه نحو برنامج كلية الحقوق بينما المنتمين ألي جناح الإصلاح يشدون هذا البرنامج نحو برنامج كلية الشريعة والقانون.
ثالثاً: بدأت الكلية وعند قيادتها من قيادات أكاديمية تنتمي إلي جناح الإصلاح في المؤتمر وانضمام أعضاء هيئة تدريس تولوا رئاسة الأقسام فيما بعد بإدخال مقررات شرعيه تجعل برنامج الكلية الأكاديمي يقترب من كلية الشريعة بشكل كبير واستمر هذا الوضع رغم تغيير قيادة الكلية بقيادة أخرى من جناح آخر في المؤتمر هو الجناح الناصري إلا أن جناح الإصلاح ظل ممثل ومسيطراً على الإدارة الأكاديمية في الكلية, بالاضافه إلى رؤساء الأقسام الذي كانوا سببا في تعطيل كثير من الورش العلمية التي تهدف إلي تطوير هذا البرنامج بسبب الخلافات السياسية العقيمة بين الطرفين كما لعبوا دورا كبيرا من خلال مراكزهم الأكاديمية في إضافة مقررات شرعيه وغير شرعيه وزيادة الساعات المحددة للمواد الشرعية في برنامج الكلية الأكاديمي بعيدا عن الأسس العلمية في تحقيق ذلك لصعوبة ذلك في ظل صراعات شديدة بين الطرفين لا تسمح باستكمال الإجراءات العلمية وأعضاء هيئة تدريس يمثلون أحزابهم في هذه المراكز العلمية المؤثرة مما جعل لذلك آثار خطيرة يمكن تحديد بعضها بالاتي:
1- التأثير على عقلية الجيل القادم وانتهاك الحرية الأكاديمية وسلب حقوق بعض الطلاب مثل حق المشاركة الطلابية.
2- الخروج عن أطار نظام الساعات المعتمدة عربيا وعالميا وشروط الجودة.
3- من الممكن أن يرفض الاعتراف بالكلية وشهادتها العلمية في ظل هذه الظروف الغير علميه.
4- صعوبة حصول الطلاب على المعادلات مع الجامعات الأخرى المناظرة سوى بالوطن العربي أو الجامعات الأجنبية.
إن من أهم ما نريد التأكيد عليه في هذه المقالة هو الآتي:
أولاً: أن هناك فرقاً كبيراً بين البرنامج الأكاديمي لكلية الحقوق وكلية الشريعة والقانون فمثلا في كلية الشريعة تدرس مادة أصول الفقه كأربع مقررات لأربع مستويات.
ثانياً: ما قلناه في كتابات سابقة أن لدينا أربع كليات في اليمن اثنتان شريعة وقانون في صنعاء والحديدة واثنتان حقوق في تعز وعدن وهذا الأمر يعكس تنوعاً في بناء البرنامج الأكاديمي لهذه الكليات بما يتفق مع التنوع العقائدي والثقافي للمجتمع اليمني كما يقول ذلك أستاذنا الدكتور احمد شرف الدين. وكلية الحقوق في تعز ببرنامجها الأكاديمي تخدم ثقافة المجتمع في هذه المحافظة وتتفق مع خصائصه وطبيعة بيئته.
ثالثاً: أرى ضرورة الابتعاد عن التشدد في تحديد البناء الأكاديمي للمرفق العام التعليمي وان يكون ذلك وفق أسس علميه لما لذلك من آثار خطيرة.
رابعاً: بعد تسجيل كل الاحترام والتقدير لزملائي في كلية الحقوق تعز من الذين ينتمون للتيار الشرعي أو حزب الإصلاح أرى من الضروري أن يخففوا من حدة أسلوبهم في بناء البرنامج الأكاديمي في الكلية وعلى سبيل المثال لا الحصر أذا كان هناك أربع مواد أصول فقه يكتفي بمادتين لإمكانية إضافة مواد أخرى لأقسام أخرى نحتاجها في بناء الدولة المدنية الحديثة والتوافق مع المجتمع الدولي.
خامساً: ما يقوله البعض أننا أذا لم نقترب من الشريعة والقانون في برنامجها الأكاديمي أو نكون مطابقين لها في هذا البرنامج قد يجعلنا لا نجد متخصص في بعض المقررات الشرعية هو رأي بعيد عن الصحة لأننا في أطار تنوع وليس حصر على نوع واحد من برامج الحقوق والشريعة.
سادساً: إننا نؤيد رأي بعض زملائنا في كلية الحقوق من ضرورة إلغاء بعض المواد المكررة مثل فقه المعاملات طالما وان هذه المادة هي مادة القانون المدني بصورة عصريه مقننه وفق أسلوب عصري حديث أو مادة التشريع الجنائي طالما نجد مفرداتها مقننة بأسلوب عصري حديث في مادة القانون الجنائي.
د. ضياء العبسي
البناء الأكاديمي للمرافق العامة التعليمية في مجال التعليم العالي 1448