من الحويجة في العراق إلى القصير في سوريا، و من جنوب لبنان إلى شمال اليمن، من حكومة المالكي إلى جيش الأسد، ومن أنصار حسن في ضاحية بيروت إلى أتباع حسين في ضحيان صعدة، تتوارد الأدلة والشواهد على أن ثمة خطراً يهدد الأمة في وحدتها كما في أمنها واستقرارها والنسيج الوطني والاجتماعي لأبنائها، حين ارتكبت ميليشيات نوري المالكي مجزرة "الحويجة" التي أودت بحياة العشرات، كانت عناصر حزب الله تواصل تسللها إلى الأراضي السورية لاستئناف أعمال القتل والإبادة في أوساط الشعب السوري, مع أن مجزرة بانياس لم يجف دماؤها بعد، حيث كشفت إحصائية نشرت أمس الأول الخميس أن (145) شخصاً قتلوا في هذه المجزرة على يد قوات الأسد، ومن بينهم (34) طفلاً بعضهم رضع، كما أن بين الضحايا أربعين امرأة بعضهن تجاوزت أعمارهن ستين سنة، ولم تقتصر الوحشية على القصف والرصاص والدمار، بل تم إعدام بعضهم ميدانياً.. ويرى خبراء استراتيجيون أن المجزرة تأتي في سياق المحاولات الرامية للقضاء على الوجود السني في السواحل الغربية، ومثلها تأتي عمليات نوري المالكي وميليشياته الطائفية في العراق ليس في الحويجة وحدها، حيث وقعت هناك جريمة "إبادة جماعية" طالت حتى الأطفال، بل في مختلف المحافظات العراقية.. وعلى الرغم من استمرار مسلسل التصفيات والقتل وإشاعة الفوضى خرج العراقيون أمس الجمعة رافعين شعار "لنحافظ على وحدتنا"، وفيها كشف أحد علماء السنة أن أكثر من خمسين قناة فضائية تحرض على قتل السنة في العراق.
وقريباً من ذلك تفعل عناصر حزب حسن نصرالله دون أن يعدم السيد دليلاً على أن ما يفعله عين الصواب لاعتقاده أن حماية أدوات القتل والدفاع عنها مهمة مقدسة و"مقاومة" للعدو المتمثل هنا بأطفال سوريا ونسائها..
وكذلك الحال في شمال اليمن المنكوب منذ سنوات بجماعة الحوثي وأتباعه وأنصاره ومريديه الذين باتوا يطلقون على أنفسهم " أنصار الله"، ومع أن المولى جلت قدرته لا يحتاج من يناصره بقتل الأبرياء وترويع الآمنين وانتهاك حرمات المساجد ونهب أموال الناس والاعتداء على ممتلكاتهم فقد سبقهم إلى ذلك من هم شر منهم مكاناً وأضل سبيلا، ألم يقل اليهود عن أنفسهم " أبناء الله وأحباؤه"، و "شعب الله المختار"؟..
وهناك تشابه كثير بين تلك الحالات حد التطابق في بعض الأحيان، فالكتائب التي أسسها المالكي وإخوانه صارت مهمتها الرئيسية إن لم تكن الوحيدة محاربة السنة والاعتداء على رموزها وأعلامها و القضاء على مقوماتها، كي تمهد الطريق أمام رايات النجف وآيات قـُـم، في الوقت الذي كانت هذه الكتائب تسمي نفسها باسم القدس والأقصى وفلسطين حتى انخدع الناس وصدقوا أن هؤلاء عازمون على تحرير القدس..
كما أن رافعي شعار "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل" قادوا ست جولات من الحرب في صعدة والجوف وحجة وعمران مستهدفين جنود ومواطنين ليس بينهم جندي أمريكي ولا مستوطن إسرائيلي، ولا يزالون يواصلون حربهم المفتوحة لإسقاط البلد في دوامة الفوضى الكفيلة بتحقيق أهدافهم..
وحين كنا نظن أن الثورة التي زعموا أنهم اقتنعوا بها ستطوي صفحة الحروب وتعيدهم إلى جادة المواطنة المتساوية مع بقية المواطنين، جاءت تصرفاتهم وممارساتهم التي كشفت أن حروبهم تلك لم تكن سوى بروفات للصراع الذي لم ولن يتوقف والحروب التي لا يزالون يدقون طبولها، ونخشى أن يكون دخولهم الحوار مجرد ممارسة للتقية، وإلا ما معنى أن تضاعف إيران من دعمها لهم بالمال والسلاح وبكميات تفوق الدعم خلال الحروب السابق؟!.
في المنطقة ثمة تحولات عاصفة ولعل إيران تريد من خلال تحريك مخالبها في أكثر من مكان, وفي هذا الوقت بالذات, أن تربك المشهد وتفرض على الواقع العربي الجديد بعض خيوطها وخطوطها، وترى في ممارسة العبث بهذا الشكل المدمر ضماناً لتحقيق أهدافها في مواصلة المناورة بملفاتها العالقة مع المجتمع الدولي، كما في ترحيل أزماتها الداخلية، بيد أن استمرارها في تحريك هذه المخالب كفيل باستنزافها وإضعافها، ناهيك عن كونه يعريها ويكشفها أكثر، ما يعني أن ذلك لن يكون في صالح القط ومخالبه المنفلتة.
فؤاد مسعد
مخالب القط الإيراني تعبث في المنطقة 1945