إننا نجد أن القرآن الكريم استخدم مصطلح (ظلم النفس), قال تعالى:( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، ولا يوجد كتاب آخر استخدم هذا المصطلح ظلم النفس، فهو سبحانه من خلق النفس، ولهذا أخبرنا بمكمن بؤرة الفساد النفسي, البؤرة الحساسة التي إذا سيطرنا على توازنها ستقود إلى حل أصل مشكلة الإنسان النابعة من الأنانية النفسية، والتخلص من مشكلة علاقة القوة، والعودة إلى العلاقات القائمة على العدالة والمحبة والرحمة والشراكة والتعاون، وأول خطوة لمعالجة مرض الأنا هي: نقد الذات، فعندما نتعود على إلغاء رمي الأخطاء على الآخرين ونرفض آلية لوم الآخرين استجابة لقول الله:{ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ*وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (15) سورة القيامة، ونستخدم آلية النقد الذاتي لأنفسنا وأحزابنا، فإننا هنا نوجه طاقتنا نحو إصلاح عالمنا الداخلي سواء كان فرداً أو جماعة أو حزباً، فإذا استطعنا الدخول إلى فك هذا الاشتباك أمكننا أن نكسر رافعة الظلم لأنفسنا ولأحزابنا ومجتمعنا وأن نعيد التوازن إلى علاقتنا في (الاستضعاف- الاستكبار)..
ولشرح هذه النقطة أقول: إن النفس عندما تمرض بالأنانية تنحدر إلى الهاوية، وتفقد تماسكها الداخلي، ومن هذا الوسط المريض يتولد تلقائياً مرض الاستكبار، هذا المرض يصيب كل الناس ولكن بأشكال مختلفة، ففي علاقة الفرد بالفرد يتحول الفرد من جراء العدوى بهذا المرض إلى أحد قطبي الاستضعاف والاستكبار، وبحسب الموقع الاجتماعي وعلاقات القوة، فهو مستضعف ومستكبر في أعماقه, في الوقت نفسه هذه طبيعة النفس البشرية كما قال تعالى:( ألهمها فجورها وتقواها) وكل ما تحتاجه النفس فقط هو: المناخ والبيئة لتبرز إحدى الصفتين وتطفو على السطح، فإذا منحت القوة انتفخت إلى درجة تغير مشيتها وحركاتها وتصرفاتها، وإذا سحبت منها القوة ضمرت وانكمشت, لأن الاستكبار والاستضعاف صفات طارئة على النفس كشخصية الطبيعية.. أضرب مثلاً: عندما نرى شخصين يقومان بدورين مختلفين (ضابطين برتب مختلفة- شرطي وسائق سيارة- موظف ومراجع- مدير وموظف- محقق ومحقق معه), فبسبب مرض الاستكبار والاستضعاف نجد أن الشخص نفسه يتحول بتحول الموقف إلى شخصية غريمه المقابل، كله بسبب تفشي هذا المرض، ولا يتخلص منه إلا باعتدال رافعة العلاقة الإنسانية، وعندما تنكسر رافعة التوازن في العلاقات بين البشر، ينهار ويتحطم الجهاز المناعي الاجتماعي، فتبدأ مجموعات لا نهاية لها من الأمراض في التسرب، يصدق هذا أيضاً على علاقات القوة بين الدول، عندما تتعامل دولة قوية بغطرسة مع دولة ضعيفة، وعندما نتخلص من مرض الاستضعاف نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد، حررنا جهازنا الداخلي أولاً، وفرملنا دافع الاستكبار وأعدنا الصحة إلى نفوسنا، فالاستكبار إذاً مرض كما كان الاستضعاف أيضاً مرضاً، فإذا مارسنا إعادة التوازن بالعدالة إلى هذه العلاقة انكمش وتقلص مرض الاستضعاف والاستكبار، وكذلك بقدر ما نوجد مؤسسات وآليات للنقد عموماً والنقد الذاتي خصوصاً هنا يكون الجهاز المناعة المؤسسي والاجتماعي قد تشكل وبدأ في العمل، وهنا يبدأ المرض في الانكماش، والجسم الاجتماعي في البرء.. وفي الحديث إشارة إلى مثل هذه النوعية من الناس، التي تمثل الملح الاجتماعي والعمود الفقري للجهاز المناعي الإنساني, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:(إ نما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة), فلنكن الرواحل.
إن أعظم تحد يواجهنا ليس الأعداء من الخارج، وليس الطبيعة التي تحوطنا، وإنما جهلنا بأنفسنا وبأمراضها ولهذا أمرنا الله أن نفكر وننظر في نفوسنا, قال تعالى:( وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
محمد سيف عبدالله العدينى
غياب النقد للأخطاء والنقد الذاتي سبب لظلم أنفسنا والآخرين 1442