للحضارة العربية والإسلامية أصول متعددة منها الحوار الذي ينبع من رسالة الإسلام وجوهر حضارته وهديه وطبيعة ثقافته.. فالحوار الداخلي ـ الداخلي يعني (الوطني الوطني) وهو أبرز أشكال الحوار الذي يقوم به المتعايشون ثقافيا وأصحاب الحضارات ذلك أنه من ضرورة الحياة وأساسياتها لا تستغني عنه أسرة ولا عائلة ولا مجتمع ولا حزب ولا دولة حتى ساكنوا البيت الواحد وهم أسرة واحدة لا تقوم حياتهم ولا يصلح شأنهم ولا يستقيم أمرهم ولا تتوحد كلمتهم إلا بالحوار البناء والتخاطب الحسن على الرغم من أنهم يتفقون في المنهج والمصير.. فالشعب اليوم والدولة بحاجة ماسة إلى الحوار الوطني فيما بينهم وحل مشاكلهم وتصحيح المواقف السلبية التي افرزها الماضي المرير من جهة وتعزيز المواقف الإيجابية ودعمها.. فالحوار يهدف إلى الاستقرار والتنمية ويقود البلد إلى آفاق جديدة في واقعنا السياسي والاجتماعي وفي شتى ميادين الحياة كافة كما أن الحوار الداخلي هو الخطوة الأولى الناجحة في بناء الدولة الحديثة وهو طريق سوي يوصل المجتمع والدولة بالعالم الخارجي, ذلك انه لا يمكن أن نفلح في الحوار مع العالم الخارجي ما لم نكن قد حققناه مع أنفسنا وعشناه في واقعنا من خلال فرق الحوار التسع المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل والتي تم توزيعها وانتشارها على محافظات الجمهورية كي تتحاور مع قيادة المحافظات ومنظمات المجتمع المدني والمحامين والأحزاب السياسية عن قرب للخروج برؤى موحدة بناءة من خلال الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف المتحاورة بعيداً عن التجريح والإساءة لأي طرف وفقاً للتوجيهات القرآنية (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) وقوله (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)..
فمن هذا المنطلق سيحقق الحوار صبغته الحضارية, لأنه حافظ عليهم ولم يمس بمكانتهم أو يسيء إليهم..
وإذا كان الاحترام والود المتبادل في الحوار هو المنطلق الأول فان العدل والإنصاف هما المنطلق الثاني قال تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فالحوار الناجح يتطلب أن يشمل كل ما فيه مصلحة للشعب والأمة ومنفعة للمجتمع الإسلامي لأنه لا يقتصر على موضوع معين, بل يشمل جميع شؤون الحياة ذات الصلة بالمجتمع حاضراً ومستقبلاً, ذلك أن له أصلاً في الدين, قال تعالى (قدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وقوله (وكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ).. فالحوار من شيم النفوس الأبية ومن قيم الحضارة الإسلامية المرتكزة على مبادئ الدين الحديث وتعاليمه السمحاء.. فمجالات الحوار وآفاقها تتسع وتتوفر في كل حين وتستوعب كل موضوع وما علينا إلا تكريس الجهود لنحقق الأهداف والتطلعات, فالله معنا وناصرنا وخاذل أعدائنا في الداخل والخارج وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أحمد محمد نعمان
الحوار الداخلي الداخلي 1398