يخطئ العرب عندما يظنون أن بلادهم آمنهٌ مطمئنة، وأن أرضهم مصانةٌ غير مستباحه، وسيادتهم كاملة غير منتهكة، وحدودهم مصانةٌ غير مخترقة، وأسرارهم محفوظة غير مفضوحة، ووثائقهم مُؤَّمنَةٌ غير مكشوفة، وأن اتصالاتهم ومكالماتهم محمية، وأن اجتماعاتهم ومؤتمراتهم آمنة، وأن أحداً لا يتنصت عليهم، أو يحاول التجسس على أسرارهم، ومعرفة حواراتهم والإحاطة بأخبارهم.
ويخطئون أكثر عندما يظنون أن إسرائيل ليست عدواً لهم، وأنها لا تستهدفهم، ولا تعرض أمنهم للخطر، ولا تفكر في اختراقهم والتجسس عليهم، ومعرفة أسرارهم وما يخفون، وأنشطتهم وما يقومون، وتحركاتهم وما يخططون، وأنها لا تخصص لهم أجهزة أمنية خاصةً بهم، تراقبهم وتتابعهم، وتنشط وسطهم، وتنشر بينهم العيون، وتزرع على أرضهم أجهزة التنصت والمراقبة، وأن أقمارها الاصطناعية غير مسلطةٍ عليهم، وأنها لا تصورهم، ولا تسجل عليهم، ولا تشوش على أجهزتهم ومعداتهم، وأنه لا يهمها من أمرهم شيء.
يفكر العرب بسذاجةٍ وسطحية عندما يعتقدون أنهم لا يجاهرون إسرائيل بالعداء، ولا يقاتلونها ولا يدعمون من يقاتلها، ولا يؤيدون من يحمل السلاح ضدها، بل إنهم يمدون لها اليد للمصافحة، ويعرضون عليها التنازل للمصالحة، ويوسطون الدول لتقبل بحلولهم، وتوافق على عروضهم، وأنهم يزورونهم بسرية، ويشاورونهم بصمت، ويساعدونهم في الخفاء، الأمر الذي ينفي مبرر التجسس والاختراق، ويضعف دوافع الرصد والمتابعة والملاحقة، إذ لا يوجد بينهم من أو ما يهدد أمن إسرائيل، أو يعرض سلامة مواطنيها للخطر، بل إن من يفكر بالتعرض لهم على أرضهم فإنه يسجن ويعذب، ويطرد ويهان، ويلاحق أهله وأصحابه، ويضيق على معارفه وجيرانه.
الحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن إسرائيل تلاحق العرب جميعاً وتتجسس عليهم، وتتابع حركتهم حتى في بيوتهم، وداخل مخادعهم، وتتجسس على أقرب المقربين إليهم، وترصد أسواقهم التجارية، ومقدراتهم النفطية، وتتابع تجارتهم البينية والخارجية، وتعرف الوافدين إلى بلادهم والخارجين منها، ويهمها أن تعرف تفاصيل الحياة اليومية، وأنشطة المواطنين الاعتيادية، فضلاً عن معرفة البنى العسكرية والأمنية، والمؤسسات الاقتصادية، والمشاريع الإعمارية، ولديها خرائط ورسوم لكل المدن العربية، تبين شوارعها وترسم مبانيها، وتحدد جسورها ومواقع أنفاقها، وتعرف أين تقع قصورها الملكية والأميرية والجمهورية، ومواقع وزارتها السيادية ومديرياتها التنفيذية، فضلاً عن معسكرات التدريب وثكنات الجيش، ومخازن السلاح ومستودعات الذخيرة، والمطارات العسكرية، ومرابض المدافع، ومنصات الصواريخ، ومهابط الطائرات، والسجون والمحاكم ومراكز الشرطة والتوقيف.
بل إن الكثير من ضباط الأمن الإسرائيليين، ومن عملاء مخابراتها المختلفة، ممن يحملون جنسياتٍ مزدوجة، أوروبية أو غربية أو روسية، يزورون البلاد العربية، ويتجولون في شوارعها، ويجوبون أسواقها ويقفون في ميادينها، ويجلسون على مقاهيها، ويدخلون نواديها، ويأخذون الصور التذكارية عند كل معلم، وأمام كل نصب، ولا يوجد من يعترضهم، أو يعرقل مهمتهم التي جاؤوا من أجلها، فهم يقيناً لا يزورون بلادنا العربية بقصد السياحة، أو الاستمتاع بالشمس الساطعة، أو الخروج في رحلاتٍ للصيد شيقة وممتعة في الصحاري والبراري، ليطاردوا الغزلان والأرانب، ويصطادوا الطيور والعصافير.
إنهم يدخلون بلادنا العربية للوقوف عن كثبٍ بأنفسهم على حقائق الأمور، والاطلاع على ما يجري في البلاد، خاصة في ظل ثورات الربيع العربي، بل إنهم يقومون بإنشاء خلايا تجسسية، وربط مجموعاتٍ أمنية، وإحياء خلايا ميتة، وإعادة وصل ما انقطع من خيوط، وربط ما انفصل من عملاء ومتعاونين، فهم جميعاً خبراء ومختصون، ولديهم الخبرة الكافية، وأغلبهم يزور البلاد العربية وهو على رأس عمله، وأثناء تأديته لوظيفته الرسمية، ما يعني أنهم متفرغين لهذه المهام، ومختصين في مختلف القضايا الأمنية.
نشر موقع "WALLA" الإخباري العبري دراسة مفصلة عن أكثر الوحدات النخبوية في الجيش "الإسرائيلي"، وقال المراسل للشؤون العسكرية، أمير بوحبوط، إنه في السنوات الأخيرة أصدر الجيش تعليمات صارمة بعدم الكشف عن عمل هذه الوحدات أوْ عن هوية الأشخاص الذين يخدمون فيها، بسبب ازدياد التهديدات المحدقة بالدولة العبرية، ولفت المحلل إلى أنّ جميع الوحدات النخبوية تعمل خارج أراضي "إسرائيل"، أوْ كما يسميها هو في أراضي العدو، لا في لبنان وفلسطين وحسب، بل في كل الدول العربية والإسلامية، وتبقى طبيعة عملها في طي الكتمان.
وتعمل هذه الوحدات الأمنية بتنسيقٍ كامل مع جهاز الأمن الداخلي "الشين بيت"، وترتبط بأجهزة تقنية عالية بالأقمار الاصطناعية الإسرائيلية التي تركز عملها على المناطق الهدف، وتستفيد من بعض القواعد الأرضية العاملة في دولٍ صديقة، حيث توجد علاقات تنسيق أمنية عالية المستوى بين المخابرات الإسرائيلية وأجهزة أمن دول أخرى، أو تلك التي تشترك مع إسرائيل في مواجهة أخطار مشابهة أو واحدة، كخطر التطرف الإسلامي، ومواجهة تنظيمات القاعدة المتشعبة.
تعمل هذه الوحدات الأمنية بالتنسيق الكامل مع جهاز الأمن العام "الشاباك"، الذي يقوم بتوفير المعلومات الاستخبارية اللازمة لتنفيذ عمليات التصفية والاختطاف والمداهمة طبقاً للمعلومات التي يقدمها عملاؤه في الدول العربية، أو توفرها أجهزة التنصت ومراقبة المكالمات الهاتفية والاتصالات الإليكترونية بكل أشكالها، ولعل عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح تندرج تحت نشاط هذه المجموعات الأمنية الإسرائيلية.
وبحسب التقرير فإن وحدة "سييرت مطكال" أو سرية الأركان تعتبر أكثر وحدات الجيش "الإسرائيلي" نخبوية، ويكفي أن أشهر العسكريين الإسرائيليين ينتمون إلى هذه الوحدة مثل: ايهود براك، امنون شاحاك، بنيامين نتنياهو، وزير الأمن موشيه يعلون، وداني ياتوم الرئيس الأسبق لجهاز "الموساد"، وتنتمي إليها فرق بحرية وجوية وبرية وفرق هندسة وخبراء متفجرات، وتقنيون ومهنيون ذوي خبرة عالية في مجال التجسس وسحب المعلومات، وفيها أيضاً أطباء اختصاصيون ومسعفون وممرضات مؤهلات للعمل في ظروف صعبة للغاية، ويمتلكون تقنيات حديثة لتزوير جوازات السفر وبطاقات الهوية الوطنية، وتزوير أي مستندات وأوراق ثبوتية مطلوبة، وفي حال عجزها فإنها تتعاون مع الأجهزة الأمنية الصديقة، أو تطلب من المركز تأمين المطلوب.
ربما بات الفلسطينيون أكثر العرب خبرةً ودرايةً بالإسرائيليين، فنحن نعرف استراتيجيتهم العسكرية، وندرك خططهم الأمنية، ونعرف أنهم يستهدفون بيوت الشرفاء وبيوت العملاء على السواء، ويهمهم أن يزرعوا العملاء في أوساط المقاومين وفي أوساط المسالمين، فهم ينظرون إلى العرب والمسلمين جميعاً على أنهم أعداء لهم، وخصوم ينبغي قتالهم، فلا يميزون بينهم، ولا يوادون أحداً منهم، ولا يحبون الخير لهم، ألم يستهدفوا العلماء العرب دون تمييزٍ لهويتهم الوطنية، فقتلوا مصريين وعراقيين ولبنانيين وسوريين وسودانيين ومغاربة وإيرانيين، فحذاري أيها العرب من الإسرائيليين، لا تأمنوا لهم ولا تصدقوا قولهم، ولا تفتحوا لهم بيوتكم، ولا تدخلوهم بلادكم، واعلموا أنهم لا يرقبون فيكم إلاً ولا ذمة، ولا يشفع لكم عندهم وفاءٌ ولا خلة، ولا ينجيكم من شرورهم صديقٌ ولا قديم معرفة.
د/ مصطفى يوسف اللداوي
أجهزة تجسس إسرائيلية في البلاد العربية 1270