إن الاتصال بالخالق سبحانه وتعالى يجعل العمل البنّاء هدف حياة، فالعمل في الإسلام عبادة مفروضة على كل قادر على العمل، والكسب واجب شرعي على كل مسلم ليقوت نفسه ومن يعولهم، والاتصال بالخالق سبحانه وتعالى يشمل إعادة الاعتبار لمعنى العبادة ليشمل كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال والأعمال وليشمل المال والجاه وسائر الإمكانيات المتاحة للإنسان، كما يشمل كذلك عمارة الدنيا بالدين فلا يكون الخير نزوة ولا العمل الصالح موسما أو فترة في العام أو العمر، وإنما يكون منبثقا من الإيمان فيدوم، ومن التقوى فيستمر ومن الطمع فيما عند الله عز وجل فيكون مشروع العمر وديدن الحياة.
يتطلب الاتصال بالله تعالى تحرير مفهوم العمل الصالح من الأغلال التي علقت به فقصرته على جوانب محددة من العمل وتركت جوانب كثيرة هي من صميم العمل الصالح ومن أهم ألأولويات فيه مثل نفع الآخرين ففي الحديث من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل، ومن نوع الأعمال التي يتعدى خيرها إلى غيرك من الناس، أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب العمل إلى الله سرور تدخله على مسلم فتأمل كم هي أنواع المسرات التي يمكن أن تدخلها على غيرك حين تسعى في خدمته ومنفعته وهكذا فالعمل الصالح ميدان كبير جدا والحد الجامع له أن نقول: إن العمل الصالح هو كل فعل يتوافق مع هدي الشريعة والإنسان يعمله مخلصا به لوجه الله تعالى، متأسيا فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بهذا يعني كل لحظة من حياة المسلم، ويشمل قلبه وجوارحه ولسانه وماله وجاهه، ويضم في طياته الحياة طولا وعرضا وعمقا، طولا من يقظتك إلى منامك، وعرضا بكل اتصالك وتواصلك وأفعالك وأقوالك، وعمقا بوجدانك وقلبك والأثر الباقي بعدك.
إن بناء اليمن باعتباره مهمة ذات بعد عقائدي يتضمن الوجوب والندب في جوانب كثيرة، ويصيب المتكاسل عنه إثم وذنب يدعونا لتوضيح نقاط مهمة لعل من أهمها قول النبي صلى الله عليه وسلم كفى المرء إثما أن يضيع من يعول، وإن أي كسل من شأنه أن يفضي إلى إضاعة من يعولهم الوطن، ومن جانب آخر فإن اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية والسفلى هي الآخذة فكل سعي من شأنه أن يرفع قدرات اليمن الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية لتكون يدها هي العليا يعد عملا صالحا بامتياز، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الذي جاء يسأله أن يعطيه فأمره بالاحتطاب فلم تمض غير مدة يسيره حتى تحرر من رق السؤال وانتظار عطاء الآخرين، ولا بد من التنويه إن بناء اليمن ليكون قويا يعني تحقيق المدد الذي يعني أن يقوم اليمن بدوره التاريخي المنوط به والمقدر له.
الاتصال بالمخلوقين يعني أن تتضافر الجهود على الخير، وتتعاون على الهدى، وتتكاتف على بناء يمن جديد تسوده المحبة والسلام، ويقوده القانون والنظام، ويعلو فيه العدل فيرتفع صوت صاحب الحق فإن لصاحب الحق مقالا، لتحقيق المبدأ الإسلامي الشهير: القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والتواصل مع المخلوقين يتضمن أمورا كثيرة من أهمها: إجادة مهارات التواصل الاجتماعي الفعال، فالإنسان مدني بطبعه، وهو بتأثر بمن حوله ويؤثر فيهم، وهو بذلك لا يعيش في فراغ بل هو غصن في شجرة وخلية في جسد وعضو في مجتمع وبناء اليمن يحتاج إلى كل يد عاملة وإلى كل كلمة طيبة وإلى كل جهد عضلي أو فكري والفكري يقود المسيرة والعضلي ينفذ الأفكار إلى أعمال ملموسة، ويحتوي التواصل مع الخلق حسن المحاورة والموعظة الحسنة والدعوة بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن ومن أهم تلك المهارات ما عبر عنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بقوله: رأي صواب يحتمل الخطأ وبهذا يذوب جليد التصلب وتنساب مياه التغيير في شريان الحياة، بعيدا عن كلسترول التعصب التي تؤدي إلى الجلاطات المميتة للأوطان وللأشخاص والجماعات، ومن المهم في التواصل مع المخلوقين إتقان مهارات الاستماع فالاستماع هو العنصر الأهم في كل تواصل بشري، وهذا ما قد يتناساه كثيرون وهم يديرون دفة التواصل مع غيرهم، وكذلك الاعتراف بحق الاختلاف والإيمان بأهمية العيش المشترك، والانتباه لكل ما يعيق جودة التواصل مع الآخرين، فأنت ترسل رسايلك إلى غيرك ولكن المهم سلامة وصولها إليهم بالطريقة التي تحفزهم لتقبلها والعمل بها، فالإعلان لا يقدمه المعلن ليعرض مهاراته ولكن لينتفع بها في تسويق منتجه، واليمن الجديد هو المنتج الأهم الذي تسوق له الثورة الشبابية السلمية، وهو يمن يحتاج جهد كل فرد في هذا الوطن، ويتحدد صلاح المواطن فيه بمقدار ما يبذله من جهد لخدمة اليمن، ومقدار أثر ذلك الجهد في الدفع بعجلة التنمية والانتاج وإحداث القفزة النوعية في كافة المجالات الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأخيرا فإن التواصل مع المخلوقين يعني إحسان العمل بمهارات الحياة لتشمل كل مجالات الحياة وكل مستوياتها ولتكون الثقافة الحياتية في اليمن ثقافة نظام والتزام وجد واجتهاد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د. محمد عبدالله الحاوري
الاتصال بالخالق والتواصل مع المخلوقين 1875