إلى تلك الثلة الطاهرة التي تقاتل على ثرى سوريا تبحث عن العزة والكرامة والإباء, تحد سيفها لتستأصل رقاب الطغاة المجرمين الذين يمارون في أمر العقيدة والدين والوطن, الذين يسفكون الدم الحرام بمبرر التعصب الطائفي الشيعي المقيت لإيران, ترفع صوت صهيل سيوفها وفوهات بنادقها تقول لهم اخسئوا فإنما جئتكم بالذبح ونحن باقون ما بقي الظلم والقهر وبقيت المجازر.
نعبر بحديثنا إلى الجيش الحر, إلى جبهة النصرة وإلى كل جبهات القتال, إلى الإرهابيين حسب توصيف الأسد الذين تجلجل أصواتهم وترهب قبل سلاحهم لنصرة سوريا مع خذلان الجميع, إلى أحفاد الصحابة نقول: تقدموا تقدموا, أعطوا دروساً للرجال وعلّموا, كونوا نجوماً في العُلا لدروب نصرنا تلهموا تقدموا, كونوا لنا جيشاً من الأحرار يُرجع مجدنا, كونوا لنا أملاً يحرر شامنا, جيشا يطهر أرضنا, كونوا دروعا للبلد, لا ترحموا جند الأسد, هذه وصيتنا لكم شبيحةً لا ترحموا تقدموا صبوا على كلب المجوس حِمام نارٍ من غضب فزوال ملكه قد بدى وهلاكه قد أقترب كونوا لبشار العقاب أنتم له سوط العذاب أنتم له نار تلظى أنتم له جهنّمُ تقدموا إن كان بشار أتى بجيوش فارس يستعين فنحن أحفاد الصحابة لا نهاب ولا نلين جند كسرى مهلكم هلاّ ذكرتم خزيكم؟ في القادسية جاءكم سعدٌ ليطفئ ناركم وابن الوليد بنهر دجلة قد أسال دماءكم يوم البويب تفرقت بيد المثنى جندكم أحفاد كسرى مهلكم فشآمنا قبرٌ لكم يا جيشنا الحر الأبيّ دوسوا على رأس الغزاة وحطموا تقدموا يا جيش أحرار الشآم أنتم رموز للفداء ثوروا على عرش الطغاة ودمروا حصن العدا أرواحنا رهن لكم وقلوبنا ثكناتكم لا يرجع الحقّ الأسير إلا القوي الحاسم تقدموا تقدموا واستبشروا فاليوم يوم الانتصار أنتم رجال الشام عنوان البطولة والفخار تقدموا تقدموا تقدموا فغدا سنُرجع أرضنا وغدا يزول الظالم تقدموا وغداً يكون الانتصار تقدموا فسورية هي الحب القديم، هي القلب الذي خفق في صدورنا أول مرة، هي الغيرة التي اشتعلت على فتاتنا تضحك لرفيق لتترك في النفس حرق لذيذ، هي حلاوة اللقاء الذي كان وربما لن يتكرر، هي الحياة التي انتزعناها من عمر مضى واحتفظنا بها مجرد ذكريات هي ضحك، بكاء، مئات الكلمات، أحاديث وصور تبعثرت في ذاكرتنا يستحضرها الحنين ويحفظها الشوق ونحن نعرف بأنه لا أمل لنا في اللقاء، سورية هي الحبيب الذي هجرناه ولم نستطع أن نعشق سواه سورية كلمة عندما نسمعها، تشتعل قلوبنا بالمحبة، وتدمع عيوننا الحائرة فرحا وحزنا، وتتلعثم ألسنتنا في التعبير لها سوريا هي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله في نجد؟ (قال الراوي) فأظنه قال في الثالثة: هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان". رواه البخاري وبينما الطغاة يسفكون فيها الدماء, ويوقعون أدنى قرابين العبودية للبشر, وينتهكون الأخلاق والمواثيق والأعراف, وينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله, ترتسم على شفة الشهيد تلك البسمة العذبة النقية الشفافة, أن لا تحسبوا الله غافلا عما يعمل الظالمون بينما الحقيقة التي لا يمارى فيها الناس كلهم حتى الآن هي حقيقة الموت, فالجميع يوقن بالمصير إليه, لكن شقوة الأشقياء تغفلهم وتنسيهم المآل, فتفاجئهم لحظة النهاية, تقضي على ما اكتسبوه ظلما وزورا, وتمحو ما ضحوا لأجله طوال سني حياتهم , فينتهي النعيم الكاذب, ويذهب الصولجان الموهوم, وينفض الجند المحيطون, ويصير الكرسي الذي سفكوا لأجله دماء الطيبين لا يصلح إلا أن يكون نعشا لهم يسلمهم للحظة القبر الرهيبة, حيث لا مناص من لقاء الحقيقة, ولا سبيل إلى الهروب من المصير الأسود على الجانب الآخر من الصورة رمقة بديعة لا يستطيع رسام أن يقلدها, ولا يمكن لشاعر أن يصفها, ولا تملك الكلمات والمعاني إحاطة بها, قادمة من صورة ذلك الشهيد المسجى في ثيابه الملونة بلون الدم, وقد أضاء وجهه نورا لا يعلم أحد من أين استمده بينما شفاهه تبتسم وكأنها تراسلنا برسائل مرتفعة سرمدية لانهائية بحيث أن الجزارون اغتالوا حياته, ورب العالمين يبشره بأروع حياة, والظالمون سرقوا لحظته, وفي السماء تعد له أسارير الفرحة والسعادة الأبدية ولكأن بسمة الشهيد تستغرب فعل السفهاء الحاقدين, والأغبياء السافلين, الذين لم يرعوا ذمة ولا رحمه ولم تأخذهم مكرمة ولا فضيلة, فغطى الطمع أعينهم, ولفهم الظلم الغموس, وحفتهم الشياطين, فعاثوا في الأرض فساداً وهبوا يستبيحون كل حرمة لا يبالون بلحظة الحساب ولكأنها الجنة تنادي اللاحقين بها من بعدها ألا تخافوا, فلا ألم وجدت, ولا معاناة لاقيت, بل حبا وصفاء وبشرى ورحابة, وسرورا وحبورا, "سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين بالله عليكم أليس هذا ما يحدث اليوم واشد على الساحة السورية قناصة يقتلون المتظاهرين غدراً شبيحة يضربون المعتقلين ظلماً وجورا مأجورين ينتهكون الأعراض ويدنسون الشرف ويهدمون بيوت الله جهراً، جبناء يحملون البنادق يقابلهم شجعانٌ يكشفون صدورهم لا يهابون الموت، وعند وصف الحالة السورية ستمتلئ الكلمات وهي تمر في عرباتها بالدموع وستذوب كالملح في ماء الحزن فهي لا تجيد السباحة.. فإن قلتُ إن المآذن في حمص مذبوحة وتنزف بالأذان، ستفيض نافورة الدمع من العيون وتغرق الكلمات, عندها سيدلني قارئ جديد لا يعرفني جيدا إلى حل: غط كلماتك بقماشة من المجاز الكثيف لتمر الكلمات من دون بلل. وابتعد عما يوجع من وصفك الجريء مثل: يثقب مراقب عربي- بطريقة غير مباشرة طبعاً- قلب طفل يركض خائفا في سكة ضيقة في الحي القديم، و لكن قل بجد: إن الطفل تعثر في حجر ومات، فقد كان يشكو من هشاشة العظام لأنه لا يشرب الحليب كل صباح وإن قلتُ: إن الحياة مشنوقة في حماة بالدخان على باب المدينة.
قد يمر بي قارئ آخر لينصحني بترك المجاز: أترك كلماتك المربعة ذات الزوايا الحادة بالدبلوماسية لتصير دائرية إلى حد ما، فالحياة مصالح والكل يخطئ والصلح خير.. سأشكره طبعاً, لأن النصيحة بنت التجربة، لكنني سوف أمضي على مهل إلى مقهى قريب لأنظم خرز الكلمات من جديد.. وقد يمر بي مزارع بعربة مملوءة بالبرتقال تصرصر عجلاتها وأنا أقول: إن الذي تبقى من الياسمين في البلاد تحشو به الأمهات جراح الصغار المفتوحة كفم السمكة.. سيقول المزارع: سمعتُ ما قلتَ، لكنني أمر بعربتي هذه وأنا أبكي على ما أراه من قتل كل يوم في الصحافة والتلفزيون؛ والبرتقال في عربتي لا يذوب، لذلك لا أستطيع فهم مشكلتك.. فإن تركني وشأني بدأت في سن كلماتي بالتفاعيل حتى تصير مدببة كالسكاكين وطويلة كرمح إفريقي، استعدادا لوصف آخر.. لكن قد يمر بي رقيب نحيل- على الأرجح هو يقرأ هذه الكلمات الآن - ليقول لي: غير العربة، فأنت محتاج إلى مدرعة, فالحالة السورية مملوءة بمدافع الهاون والقناصة، فإن مرت كلماتك من مقصي فهل ستمر من الآلة العسكرية؟.. لكنني غالباً سأمضي لأعبئ كلماتي بالقوافي هكذا: يمر الكلام على موت طفل كبسملة الأم والفاتحةْ.. يمر كرمح طويل تسدده دعوة صالحةْ.. وينزل بين العيون دموعاً ولا لون فيه ولا رائحةْ.. عندها سيطوي هذه الصحيفة ناقد متوسط الحجم، ويقول: سأسأله إن التقيته، من أين لشعرك كل هذا؟..
بشارات النصر بدأت تهب, فسوريا انتفضت عن بكرة أبيها، أدرك الناس أنهم أمام أمرين إما الموت أو الحرية, صموا آذانهم عن علماء السوء وادركوا بفطرتهم السوية أن الاستعباد مذموم في الدين تذكروا كلمات الفاروق عمر بن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، جعلوا من كتاب جدهم عبدالرحمن الكواكبي طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد فهموا منه معنى الاستبداد حين قال " لو كان الاستبداد رجلا، وأراد أن ينتسب، لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة" فانتفضوا وركزوا في قوله لهم "إن خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم بأسه، لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقه منهم وخوفهم ناشئ عن جهل، وخوفه عن عجز حقيقي فيه وخوفهم عن توهم التخاذل فقط." فثاروا ونفوسهم عامرةٌ باليقين بأن الله سينصرهم وان خذلهم العالم فعلمونا درساً في اليقين فكانت جمعة الله معنا ثم لن نركع إلا لله وبعدها بجمعة بشائر النصر, لأنهم نفوس أبيةُ تكره الظلم وتمقت الاستبداد فهي كالفرس الأصيلة لا يروضها إلا النبلاء..
فلله دركم يا أبطال سوريا والله لم أشاهد أشجع منكم تفوقتم على ثورات العرب بأن كنتم تؤمنون بأن الله سينصركم فخرجتم تطلبون أما النصر أو الشهادة، لله دركم يا أحفاد العظمة والصحابة وشهداء ميسلون كتبتم تاريخكم في صفحات التاريخ بدماءٍ لا تمحى ؛ لله دركم يا أحفاد الكواكبي فهمتم وصية جدكم بعد مئة عام أرجوكم متى ما أسقطتم الصنم فضعوا لا ديب الفقهاء علي الطنطاوي نصباً في قلوبكم فقد مات وهو يشتاق لكم لدمشق لبردي لجبل قاسيون لحي المهاجرين للغوطة لدير الزور لحماة وحلب وكان دائم الترنم بقصيدة أمير الشعراء فلن ينسى الشام مجازر الأقلية بحق الأغلبية سيما البيضاء في محافظة بانياس السنية وغيرها وأما القصف الصهيوني على بعض المواقع داخل الأراضي العربية السورية فإن له هدفان في هذا الظرف الأول تكتيكي يتمثل في ذر الرماد في العيون وخلط الأوراق والإيحاء بأن النظام الأسدي مستهدف صهيونياً مما يقدم للعصابة الحاكمة في دمشق مادة إعلامية تقتات عليها في ترويج أكاذيبها وقلب الحقائق رأسا على عقب، أما الهدف الاستراتيجي الأخطر فيتمثل في الـتأثير على العقل الجمعي للجماهير العربية والسورية الذي يرى في الكيان الصهيوني العدو التاريخي والمصيري عبر إيصال رسالة مضللة إليه مفادها أن حكام تل أبيب هم شركاء له في الكفاح ضد النظام الأسدي لاسيما في ظل مشاعر الاحتفان السائدة في أعقاب المجازر المروعة التي اقترفتها عصابات الأسد المجرمة وحزب اللات الخائن في منطقة البيضاء ببانياس الساحل قبل أيام قليلة ومع فشل مجلس الأمن بإصدار قرار يدين النظام السوري ويهيئ لانتقال السلطة بشكل دموي وليس سلمي، ومع عدم وجود أي حل عربي أو إقليمي بالأفق القريب، وتصاعد وتيرة العنف في الأسابيع الماضية، يشعر السوريون أنهم وحيدين وأن حسم ثورتهم لا يمكن أن يكون خارجياً وإنما بأزيز الرصاص وزخاته لتمطر عبيد إيران الذين باعوا أوطانهم وشعوبهم بثمن بخس وحزب الله وايران يغرقان في مستنقع القتل اليومي للشعب السوري ولن يكونا بمنأى عن إصابة عمقيهما في المستقبل, سيما بعد انتهاء المعركة في سوريا ويجب أن لا يأمنا من ذلك.. ومن هنا سيكون تضافر جهود المقاتلين على ساحة المعركة وتوافد المقاتلين لمعركة مصيريه لتنكيس أعلام حزب اللات ودولة الفرس والكيان الصهيوني ومن يقعون على نفس المسار بعد إثبات خيانتهم للعروبة والدين والوطن. والسلام.
عمر أحمد عبدالله
بشار بجيوش فارس يستعين 2127