كانت تألف الدلال كلما مررت بالشارع وتنتظر أن أحتضنها بلهفة العاشق الذي طال فراقه, وأطبع قبلتي على خدها الندي, وانتهي بالعبث بضفائرها ليصبح اليوم الذي لا التقيها جحيماً!
سيارة يقودها شاب متهور يغيبها عني,, " أقسم أن قلبي الذي كان تحت إطار السيارة وليست الطفلة الجميلة "نجلاء"!
ما أجود الألم وسحائب الأوجاع.. فكيف لمن يغدو شاعراً أن تمر ليلة دون أن تنسكب دموعه مطرا "حزنا على العالمين"..
*** *** ***
سنوات ثلاث عدت وبينما كنت استعد لدخول قاعة الامتحان يفاجئني اتصال "المهندس/ وضاح أمين قتلته عصابة في صنعاء!" يا الله كم غدوت حينها أبلهاً في ساحة الكلية ومحل استغراب من حولي "صورة وضاح تتراءى أمامي ملطخاً بالدماء, أبوه وأمه التي لن تكون سوى طائر مذبوح .. " لم أجد وسيلة لأخرج مما أنا فيه حتى بعد أن وجدت دبوسا قديماً أغرزته مرات عدة في أصابع يدي لأفيق من كابوس مقيت.. تصببت دموعاً أمام كل الزملاء, فكانت إجابة لذاك الامتحان! .
*** *** ***
نمر ثلاثتنا في إحدى الشوارع السريعة, سائق يفقد السيطرة على كبح سيارته ليغامر أخي الأكبر بحياته ويدفع بنا جميعا إلى بر الأمان, " لكاني كنت أرقب الموت وأتخيل صوره العديدة "التراب يملأ فمي والناس بمجاميع أحاطت بنا, لم أمتلك حينها سوى عيون زائغة تبحث عن بقية الأحباب "وجدت عيونهم أيضا باحثة عني" تحسست جسدي الذي لم يفقد شيئاً يا الله كم غرقت بدموعي كطفل وليد وأنا أرمي بجسدي المرتجف لحضن أخي ومنقذي..!
*** *** ***
أكثر من عشر سنوات خلت وأنا أبحث عنها.. تلك الفتاة التي لا أعرف عنها شيئاً ومدة مقابلتي لها كانت دقيقتان أمام إشارة المرور في مراهقتي المجنونة " قد تكون متسولة " بينما كان الباص يستعد لمواصلة المسير, سخرت منها كي أضحك الجميع, أغرقتهم بنوبات الهستيريا! نجحت في هذا تماماً لتغدو تلك القهقهات طعنات تقض مضجعي كل ليلة! أين أنت الآن أيتها الفتاة لأجعل منك القاضي والجلاد الذي يأخذ لك حقك مضاعفاً بعدد السنوات التي خلت!
تسألني دموي " إن كنت هكذا! هل هناك حياة لمصاصي الدماء وناهبي حقوق البشر!!
الليل وهذا السهر المقيم "عزف لحن تراجيدي " في سبيل التخلص من أدران الماضي ومواجهة صرير الأقدار بالدمعات المشكلة جسر تواصل مع " رب سميع بصير"
أيستطيع أحدكم أن يقيم عزاء وحداداً على روح " قطة " سكنت الدار لسنوات وقد كانت غالباً ما تحتل فرشك المهتري تسبقك إليه كل ليلة.. عندما أضعتها أول مرة في طفولتي لم يسمح لي والدي رحمه الله بالعودة إلى البيت إلا بها" بحثت عنها حتى وجدتها " وعدت أمشي مشية المنتصر كون الطفل الشقي أنا أعدت هذا الكائن للدار, غادرتني مرة أخرى بفراق أبدي, فيا رب ما أقسى الفراق!
أحمد حمود الأثوري
هذا ما أبكاني بحرقة ( 3- 3 ) 1968