سنوات عبر التاريخ مرت في الوطن كان فيها الطبيب ينال نصيبه من الود والاحترام من قبل المواطنين نتيجةً لما يقوم به من جهد جبّار ومسؤولية رزينة تجاه العمليات الجراحية أو معاينة المرضـى في المستشفيات الحكومية والمخيمات الطبية.. سرعان ما تدهور الوضع وذهبت المسؤولية تجري لمستقرٍ لها ولم يتمكن المريض هذه الأيام من إجراء عملية جراحية معقدة إلا في الخارج والكوادر الطبية متواجدة في أرض الوطن..
كيف لي أن أصف طبيباً يحتضن أطفاله الصغار خوفاً عليهم من البـرد والإنفلونزا وبين مواطن بسيط يقطع الليالي والقفار في ظلام الليل باحثاً لطفله الصغير عن كبسولات وحقن مهدئـة لتعتقه من الحمى التي سكنت جسمه, ولكنه لا يجد طبيباُ في بعض الوحدات الصحية, فيعود إلى بيته وهو يسقط الدموع متوكلاً على الله وداعياً ربه بأن يديم عليه وعلى أولاده الصحة والعافية المستدامة؟.. كيف لي أن أصف طبيباً بالمتخاذل, لأنه لم يمت وترك ذلك الشيخ يموت ألماً بعدما عجز عن توفير ذلك المبلغ الكامل المقرر عليه لإجراء العملية ولم يستطع توفير قيمة الدواء وغرفة الرقـود؟.
فالواجب على البعض إدراك أن المسؤولية والرفق بالمرضى شعورٌ وضميرٌ إنساني لا يباع ويشترى، وعلى كل من يعمل في هذا التخصص تقديم ما يستطيع من أجل أبناء وطنه مهما بلغت مهمته, فالله تعالى هو الرقيب والعليم بذات الصدور والذي يحاسب خلقه على ما يقومون به لسائر البشر.
ومما أخص بالذكر بأن ثمة مستشفيات فقيرة بكل شيء, حتى في العلاج نفسه, فتصيبك بالداء بدلاً عن الدواء، تفتقر لأبسط الأجهزة الطبية ولكنها متخصصة لشراء النفوس بمبلغ مالي والأهم هي المادة وليست الصحة.
صحيح بأن الأقدار إذا نزلت على العبد لن تتوقف ولكن هناك علامات تعجبية مما تراه يحصل في المجال الصحي وحدّث عن هذا ولا حـرج..
حناجر تذوقت المرارة، وعيون ساهرة باكية، وقلوب خشعت أبصارها للحي القيوم بأن يشفي كل مريض ويرحم كل ميت، ونحن المواطنون ضحية الفساد الذي لم تسلم منه حتى وزارة الصحة التي لا تحاسب ولا تراقب من يعبثون بالمسؤولية تجاه المرضى، فالعلاجات تختلف في الأسعار والفحوصات متعددة في نتائجها والأطباء كثيرون في تخصصاتهـم، ويبقى الموت واحــداً أمام المريض فقط.
خليف بجاش الخليدي
الطبيب المعالج يأخذ الفلوس ويبيع النفوس 1443