من المعلوم أن المجتمع الدولي المتآمر قلبياً على الثورات، والمتعاون خطابياً هو في الحقيقة مسعر حرب في أماكن, وفي الوقت نفسه مسكن حوار، وهذا حسب ما تقتضيه المصلحة العليا للدول التي تمتلك حق الفيتو والدول الإقليمية التابعة لها والتي لها في هذه المعمعة مصالح دنيا، وهذه الدول الإقليمية تتوزع بين قوتين اقتصادية وعسكرية وهذا أهلها لتكون لاعباً قوياً ومؤثراً في المنطقة، فالسعودية السنية وإيران الشيعية أصبحتا لاعبين إقليميين مباشرين ومحترفين في لعبة مصالح الكبار في محيط دول الربيع العربي, فلا أحد يستطيع إنكار دور هاتين الأخيرتين فيما يحصل من أحداث في دول الربيع.. ولا يخفى على أحد المتناقضات التي تلف مشهد الأحداث في دول الربيع, فموقف دول المجتمع الدولي والإقليمي مليء بالمتناقضات؛ وهي متناقضات لا تخفى على إنسان اقتضتها مصالح الحيتان، وهذه المصالح هي وراء تناقضات الأقوال والأفعال، وتبادل الأدوار في تنوع وسائل اللعب؛ أي أن المتآمرين يلعبون تارة بورقة الحوار وبآلة الحرب تارة أخرى وهذا التناقض نسفه الذي جعلنا نرى المجتمع الدولي حمل وديع في تونس ومصر واليمن، وذئب جارح في ليبيا وسوريا.
وفي أثناء احتدام الصراع بين المتحاربين والمتحاورين تتكشف حقائق الدول وحقائق الأشخاص يوما عن يوم، ولعل الطريف الشفاف في مسرح الانكشاف والذي أدهشني وأدهش كل المتابعين لأحداث سوريا هو مزيد انكشاف حقيقة حسن نصر الله وعبر تصريحه، الذي مفاده:" إن النظام لن يسقط في سوريا, فهناك أصدقاء لن يسمحوا بذلك".. أكيد أن أمين حزب "اللاة" لا يقصد بالأصدقاء الجدد "إيران وروسيا" فهم طرف حرب واقفون مع النظام من أول يوم قرعت الحرب طبولها!.. إذاً من يقصد بهؤلاء "الأصدقاء الجدد"؟ هل هم أعداء الخطاب المؤثر؟ والسؤال بصيغة أخرى: من مصلحة من الإبقاء على النظام السوري؟.
لندع الواقع الحالي يتكلم؛ فما تنبغي الإشارة إليه هنا أن نصر الله ما فتئ ينهي الحديث عن أصدقائه, أي لم يفصله ساعات حتى سمعنا بأن الجيش الإسرائيلي شرع في عمل مناورة عسكرية, حاشداً جيشه في المنطقة(....) بحجة القيام بمناورة لا يستدعيها سياق ما يحدث في سورية وحتى لا أبدو في صورة المتجني على أمين حزب "اللاة" لن أكتفي بهذه العلاقة بين خطاب الأخير عن أصدقائه، وظهور جيش إسرائيل فقد تكون محض صدفة؛ لكن ماذا عن العلاقة التاريخية بين الأسد الأب وابنه (النظام السوري) من جهة وبين إسرائيل الغاصبة للجولان من جهة أخرى؟..
فالعلاقة /الحميمية/ التي تجمع إسرائيل بالأسد الابن- على الأقل- لم تعد تنطلي على أحد ولعل أحدث دليل على عمق هذه العلاقة (العلوية/العبرية) هو قيام إسرائيل بقصف السلاح الكيماوي الذي كان على قاب قوسين أو أدنى من تناول الجيش الحر الوطني!.. فماذا يعني ذلك؟.. يعني أن بشار وقبله أبوه كانا حارسين أمينين على الدولة الإسرائيلية؛ بمعنى أن إسرائيل تعلم يقيناً بوجود هذا السلاح منذ زمن طويل؛ إلا أنه كان في أيدٍ أمينة, حافظ الأسد وبعده بشار.. هذا بغض النظر عن احتلال الجولان السوري منذ زمن، مما يؤكد أن العلاقة الحميمية بين الدولتين المتناورتين خطابياً والقريبتين قلبياً وهو ما يدل عليه السلوك العملي للأب والابن تجاه إسرائيل. ولا ننسى هنا أن النظام السوري الحليف لطهران أو "طهرائيل" وأمين حزب اللاة وما أكد هذه العلاقة الحميمية هو قصف السلاح الكيماوي كما سبق, خوفاً من أن يصل إلى أيادٍ وطنية ممثلة بالجيش الحر, فهذا القصف قد عرى بشار وكشف حقيقته وق الوقت نفسه كما كشف حقيقة رؤساء ما كان يسمى بـ"دول الممانعة" كما كشف أكثر عن عمق العلاقة الاستراتيجية بين النظام السوري الحليف لطهرائيل وبين إسرائيل وبالتالي موقع "حزب اللاة" من هذه العلاقة, فها هو قد سماهم أصدقاء دون ثمة خجل أو ذرة حياء.
وهنا لم يعد يهمني وكثير المتابعين الذين يعرفون عمق هذه العلاقة منذ زمن طويل؛ لكن المهم هنا أننا بحاجة إلى مراجعة انتصارات حزب الله "اللاة" الأسطورية على دولة إسرائيل التي تمتلك أعتى قوة مادية.. أي لمَ أمين حزب الله الذي هزم إسرائيل يحتاج إلى مساعدة أصدقاء جدد، ولم يستطع حزبه الأسطورة التي هزم الدولة الأسطورة أن يهزم الجيش الحر بمفرده مع العلم أن الجيش الحر لا يتملك حتى أسلحة نوعية مثل التي تمتلكها إسرائيل التي قهرها نصر الله وهو الآن يستنجد بها ويسميها بتسميتها الحقيقية والقريبة إلى قلبه (الأصدقاء)؟.
إن هذا يدعونا إلى وضع الكثير من الاستفهامات حول تلك الحروب الوهمية أو المسلسلات الدرامية التي كان يخوضها حزب الله مع إسرائيل، فالضعف والخزي الذي حزب اللاة واقع فيه يجعلنا نقول يقينا إن حزب اللاة في حقيقته صناعة إسرائيلية وقد سبق وقلت ذلك في مقال سابق قبل سنتين تقريبا بعنوان "مخالب الأسد وليس الفيتو الروسي وراء استمرار الحرب"، فإسرائيل بحربها الهزلية مع حزب اللاة قصدت إلى صناعة أسطورة في الشرق الأوسط (إيران ونصر الله) حتى تستحوذ هذه الأسطورة على قلوب الأمة العربية والإسلامية وقد كان لها ذلك، وحتى تستطيع أمريكا استخدام إيران كيد ضاربة لها في منطقة الشرق الأوسط، ولولا إيران ما كانت قواعد أميما عاكفة من عقود في الخليل، ولولا إيران ما كان ذلك الاستنزاف لأموال الخليج واقتصادياتها، ولولا إيران ما كان ذلك الابتزاز الأخلاقي للمملكة العربية السعودية، فبعد أن رفضت جميع الدول الأوروبية الصديقة استقبال طائرة ابن علي استقبلته السعودية- مكرهة- وحطت طائرته في جدة.
إن مصالح الغرب الأمريكي المعسكر الغربي وحتى الشرقي الذي قد عاد لينهض من جديد لن يكون إلا مع إيران, لهذا إيران قد حققت لهم مكاسب لا تعد ولا تحصى ويكفي أنها كانت حامية للابن المدلل عن طريق إقليمها السوري الذي مثل جداراً بشرياً بجانب تلك الجدر الإسمنتية والشائكة والإلكترونية والفولاذية، وحينها مهن السهل جداً أن تقوم حرب درامية بطلها حزب الله شرطية أن تكون مدفوعة الثمن مسبقاً, (فمن بنى جنوب لبنان وتحمل التكاليف)؟.. وفي الوقت نفسه تحدد وجهة صواريخ حزب اللاة ويحدد لها هدفاً لا يقتل بشراً, ففي آخر يوم في حرب 2006 أرسل حزب اللاة 250 صاروخاً, لكنها في الوقت نفسه لم تقتل إسرائيلياً واحداً.
والسؤال: هل حس المعسكر الغربي والشرقي بخطر الربيع العربي وبأنه سيعيد للعالم الإسلامي ألقه التليد؛ خاصة ونحن في زمن الشهيد؟, فهل نحن في حضرة فلول الفرس والروم من جديد؟!.
د.حسن شمسان
حسن نصر "اللاة".. الأصدقاء الجدد! 1427