أطلت الوحدة في عام تسعين فسر الجميع بها دون استثناء, لأنهم اعتقدوا أن أبواب الرفاهية ومفاتيح السعادة ستكون أقرب من شراك نعالهم, الشمال كان ينعم بالاستقرار الاقتصادي الذي تدعمه دول الخليج لإيقاف المد الماركسي القادم من الجنوب كما يقولون, لكنهم كانوا يخضعون لنظام الحزب الواحد شكلاً لا مضموناً, فالتركيبة القبلية كانت هي العامل الحاسم في رسم سياسة البلد الذي عاش لما يقارب الألف سنة على هذا النمط من الحكم المتخلف, وبالمقابل فإن الجنوب كان مستقرا نوعا ما اقتصاديا لحفاظه على العملة واتخاذه بعض التدابير كمنع الاستيراد تاركا الثروة الزراعية والنفطية وموقفا نشاط ميناء عدن إلا من مرور البوارج الروسية لتعيش البلد ضمن دول العالم الثالث المتخلف وموقعها الطبيعي أن تكون من الدول المتقدمة لما تمتلكه من الثروة في ظل عدد السكان الذي لم يتجاوز المليونين نسمة فالوحدة في نظر أبناء اليمن كانت هي مؤشر الخروج من الوضع القبلي المتخلف في الشمال ومن الحكم الذي وضع مصالح البلد وراء الأسوار الحديدية بما يشبه الاستعمار الروسي الجديد في الجنوب.. نعم, صفق الجميع لا من أجل البسكويت والعصائر المختلفة, لكن ليمن خال من طغيان القبيلة واستبداد الرفاق لكن يا لفرحة لم يكتب لها أن تتم, فمن تصدروا الوحدة ما لبثوا أن نكثوا بعهودهم وبدأ الإخوة في الشمال يعدون للحرب وبدأ الإخوة في الجنوب يستعدون لها تاركين كل المواثيق والاتفاقيات خلف ظهورهم وإذا بحكم القبيلة يصبح غولا في الجنوب المدني الذي ورث نظام الدولة من الاستعمار البريطاني البغيض كما يحلو للبعض أن ينعته وإذا بالانفلات يملأ حارات وأرياف كل اليمن وإذا بالإنسان يظلم الإنسان وحكم الشيخ يبرز إلى الواجهة لتباركه القوانين الرسمية فتعده بمثابة حكم محكمة ابتدائية وكل هذه التراكمات يعدها الناس من خطايا الوحدة هكذا شوهت بل هكذا ذبحت قبل أن تطلق عليها رصاصة الرحمة بعد صيف 94م في الوقت الذي ينادي المخلصين من أبناء هذا البلد حتى بحت أصواتهم دون أن يستمع لهم أحد فتحول الشمال بعد الحرب إلى منتصر وتحول الجنوب إلى مهزوم فتعامل أبناء الشمال أو بالأصح من بالسلطة في الشمال إلى منتصرين ليتحول الجنوب إلى غنيمة حرب دون رحمة ولم يستفيدوا من تجارب الأخرين, فألمانيا النازية هزمت في الحرب العالمية الأولى والثانية مع حلفائها, لكنها لم تنهب ولم تدمر ولم يتم البسط على شبر واحد من أراضيها الواسعة أما نحن فبسطنا حتى على البحر لذلك, أصبح يقيناً عند البعض أن لا خلا ص إلا بالتخلص من الوحدة وهذا الرأي لا يحتمل شيئاً من الصحة, لأن وضع الجنوب السابق بنظامه الصارم قد دفن مع نياشين الاتحاد السوفياتي الذي كان القوة الضاربة لكل من تسول له نفسه الخروج عن نظام الحزب الذي لا يعلو صوت فوق صوته كما يقولون فالوحدة بريئة فهي القوة التي أضعفها المتنفذون والتي لم يفهم مراميها الغافلون, فلنعيد لها بريقها برفض من أساءوا إليها سابقاً ولاحقاً ولنبني دولة اتحادية يتمتع فيها كل كيان بما يراه يناسب كيانه المستقل تحت علم واحد, وإلا فستكون أعلاماً لا حصر لها وهنا ترتبط الوحدة فعلاً بالخطيئة.
محمد أبوبكر شوبان
الوحدة والخطيئة 1533