الفساد يقتل اليمن واليمنيين منذ حوالي خمسة عقود وتسبب لهم بكوارث صحية وبيئية ومعيشية وتخلف تنموي كبير واستطاع الفساد أن يضع اليمن في آخر سلم دول العالم وبفضله تحتل اليمن موقعا متميزا ضمن قائمة العشر الدول الأكثر فشلاً في العالم.
اجتثاث الفساد والفاسدين كان احد وأهم دوافع ثورة الشباب الشعبية السلمية وتحقق لهذه الثورة اقتلاع رأس الفساد المتمثل في الرئيس السابق علي صالح فقط مع بقاء شلة الفاسدين يمارسون فسادهم دون أن تطالهم يد القانون إلى اليوم.
استطاع صالح أن يمتص غضب الشعب والضحك على العالم من خلال إنتاجه لفلم اسمه " الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد " وعززها بصلاحيات واسعة وميزانية ضخمة, فهذه الهيئة لها صلاحيات وزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية, وهذا يعني سيطرة مجموعة من الفاسدين هم أغلبية أعضاء الهيئة وليس كلهم على الوظيفة والمال..
أعضاء هيئة الفساد السابقة مارسوا أنواعاً من الفساد ومارسوا الابتزاز بصور مباشرة وغير مباشرة وحققوا مصالح ومنافع شخصية تحت وطأة وغطاء استغلال وظيفتهم.
غادر علي صالح الحكم مخلوعا بعد ثلاثة وثلاثين سنة وخلال فترة حكمه الطويلة لم يقدم مسئولاً واحداً, صغيراً أو كبيراً, للمحاكمة على خلفية ممارسة فساد، وتعامل مع الشعب بالخديعة والكذب والتضليل الذي ظل ينتجه مطبخه الإعلامي سيء الذكر حين كان يصور الوضع في اليمن وكأنه أشبه بدولة سويسرا أو السويد..
انتفض الشعب وخرج على حاكمه المستبد وخلعه نتيجة لسوء إدارته لشؤون الدولة واعتماده على مجموعة من الفاشلين والفاسدين، تحقق للثورة جزء من أهدافها وهو تغيير رأس النظام ورأس الفساد..
جاء الرئيس/ عبد ربه منصور هادي رئيساً شرعياً مدعوماً بالإرادة الشعبية والثورية الصحيحة ومعززاً بدعم إقليمي ودولي وأممي لينقذ اليمن من مشاكلها التي أغرقها سلفه صالح..
خاطب الرئيس هادي شعبه مرة واثنتين وثلاث.. الخ وكلها إلى الآن عبارة عن وعود ووعود، كل هم الرئيس هادي هو الاهتمام بالمؤسسة العسكرية وهذا الاهتمام مطلوب أيضاً، رغم أن هذه المؤسسة الضخمة لم تستطيع تأمين أبراج نقل الكهرباء من مأرب إلى صنعاء رغم انه خصص لها عشرة ألوية عسكرية.
الرئيس هادي يعرف أن الفساد هو قاتل اليمنيين وعدو اليمن الأول بعد الجهل الذي هو أنتجه الفساد وتسبب بتوسع رقعته بين الأجيال، وقد سبق للرئيس هادي أن اعترف أكثر من مرة بأن الفساد مسيطر على مفاصل الدولة وما زال وهذا اعتراف الرئيس ما لذي يمنعه عن إزالة الفاسدين ومحاسبتهم أو على الأقل إعفائهم من الخدمة العامة.. طاعون الفساد القاتل وطابور الفاسدين لا زالوا يمارسون فسادهم في عهد اليمن الجديد، ورغم مرور حوالي سنة ونصف على ولاية الرئيس هادي وهذه فترة كافية لاقتلاع مجموعة من الفاسدين وتطهير بعض مؤسسات الدولة من بؤر الفساد المتجذرة فيها منذ عقود.
الرئيس هادي يسير في كثير من الأحيان على خطى سلفه صالح, فهو يصدر خطباً رنانة ويصدر وعوداً ويعترف بمواطن الخلل والفساد لكنها يتعثر أو يتراجع عن معالجتها..
أنتج الرئيس السابق هيئة لمكافحة الفساد ومررها عبر مجلسي الشورى والنواب وكانت النتيجة أن صالح عزز الفاسدين بهيئة لحمايتهم.. واليوم يسير الرئيس هادي على نفس الخطوة والخطيئة, فقد أوكل مهمة إنتاج هيئة فساد جديدة على نفس المجلسين الفاشلين المنتهية صلاحياتهما القانونية والشرعية والشعبية، وللعلم أن مجلسي الشورى والنواب هما نفس المجلسين اللذين أنتجا هيئة الفساد السابقة بنفس الصور والأشكال والوجوه المعتقة والكالحة ، والغلطة الكبيرة التي سيرتكبها الرئيس هادي ويتجرع ويلاتها الشعب اليمني بأكمله.
هادي يرتكب خطيئة جديدة بسبب اعتماده على مجلسين فاشلين ويسيطر الفاسدون على أغلبية مقاعدهما وما زال, وهذين المجلسان قدما لليمن هيئة فساد فاشلة, فكيف لهؤلاء أن يقدموا هيئة فساد غير تلك المنتهية؟.. أجزم أنه لا يمكن لهذين المجلسين أن يحسنا الاختيار لأعضاء هيئة الفساد الجديدة والمنطق يؤكد أن فاقد الشيء لا يعطي.. أمام الرئيس هادي فرصة لإنقاذ الموقف ويمكنه تكليف هيئة مكافحة فساد وليست هيئة حماية فساد وهذه الفرصة ستريح اليمن وتريح الرئيس ومن معه وستكتب له شهادة شكر في قلوب أبناء اليمن.. وغير ذلك يعني أننا مستمرون مع فارق القناع.. ودمتم.
عباس الضالعي
خطيئة هادي.. إعادة إنتاج هيئة فساد جديدة بآليات قديمة 1392