إن التوقف عن القراءة يعني فراغ مخزون العقل الباطن من مواد التفكير، التي يستفيد منها العقل الواعي، و أن عقم التفكير عند القادة يشبه عقم الذرية، وعقم الذرية ليس حالة مستعصية في كل الأحوال وبشكل مطلق، وقد ثبت علمياً أنه يمكن معالجة العقم كي يصبح منتجاً، وهذا كذلك ينطبق علي عقم القيادات, فالعقول والأفكار واللقاءات والأنشطة في الدولة والأحزاب والجماعات تحتاج معالجات، ولهذا نلاحظ قد يحصل اجتماع وتبادل آراء بين العقماء، ولكنه من نوع تبادل الجهل، ولهذا تمر السنوات والوضع كما هو, والفساد يزداد والعقماء هم هم، وكثير من الاجتماعات والأنشطة التي لا تقوم وفق التفكير والتخطيط وتتجه نحو الأهداف وإنما تحولت إلي عادات، وهي في الواقع إما في صورة (مجاملات) أو إذا حصل خلاف في الرأي حدث (نزاع)، فكثير من الناس يدرجون في لقاءاتهم على الانعكاس على أحد طرفي علاقة مشئومة هي (مجاملات وقضايا أشخاص- منازعات)، وبذلك يتعطل الجهد العقلي في هذه اللقاءات فلا تثمر.
إن الغالب من القيادات أنها تتهرب من القراءة والتفكير والالتفاف على المواضيع التي تحتاج توسيع التفكير والشورى وتعمل القيادات العتيقة التقليدية على الاحتفاظ بالخنادق الفكرية المحفوظة والمتوارثة المعتادة والتقليدية والتابعة للأعلى، وبذلك لا تتعرض الأفكار للتجلية والتمحيص والعصف الذهني والتطوير، وبالتالي يختفي النمو والبلورة، ويتحجج التقليديون والعاداتيون والجامدون بأن التفكير الحر المفتوح والبحث سيقودنا إلى النزاع واختلاف القلوب ولذا وحفاظاً على علاقاتنا الشخصية ومكانتنا الاجتماعية يجب أن نتجنب البحث والتفكير الحر الجدي والحوار الفعال.. والمشكلة أن الكثير لا يتصور خلاف الرأي إلا في صورة (النزاع) ولا يتصور محاولة تفكير وتحليل إلا وسيكون ضد الدين، مع أن الله خلق البشر بالأصل مختلفين، لأن في اختلاف التنوع تفاعل وصحة وخصوبة، وكشف لصورة الحق{ولذلك خلقهم} "هود119".. وإذا حصل النزاع بدون تفكير وبدون استيعاب اختلاف التنوع وفق آلية واضحة هنا يحصل تبادل الجهل، وارتفاع الأصوات، ويعم الصخب، وتفشت المهاترة، ولهذا جرت سنة الله في خلقه، بأن رفع الصوت في مثل هذا الجو يتماشى بشكل طردي مع ضعف العقول وغياب الحجة فكما يلجأ البعض إلى ثخانة الصوت وذبذبات الحبال الصوتية كتعويض عن عمق الحجة وقوة البرهان فإن آخرين قد يلجئون إلى رفع العصا أو فوهة (البارودة)، وفي البلاد المتخلفة قد توقف العقل عن العمل منذ فترة طويلة، وقد كان في ظل الحكم الاستبدادي الفردي العائلي في إجازة مفتوحة حتى جاءت ثورات الشعوب العربية لتنقذ العقل من الانشطار النووي الذي عناه الله بقوله:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُور*وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} (22) سورة فاطر.
لهذا أقدم دعوة لكل الأحزاب, وخاصة اللقاء المشترك وبقية الأحزاب والجماعات ومنظمات المجتمع المدني, بأن يفتحوا المجال للحوار الذاتي الداخلي، وفتح الباب للنقد الذاتي بهدف مواكبة متطلبات المرحلة وخاصة مواكبة مؤتمر الحوار الوطني.
محمد سيف عبدالله العدينى
عقم التفكير عند القادة 1418