إننا نلاحظ أنه في جو الخريف نعاني من ظاهرة سقوط الأوراق، وتحلل قوى ارتباطها بالشجر، وعندما تسقط الورقة فإن هذا يحدث بفعل آلية داخلية قبل أن يكون عنصراً خارجياً، قد تسقط بعض الأوراق في غير فصل الخريف بفعل عنف خارجي ولكن دورة الطبيعة وعملها الداخلي يعطيان الإيذان لفك الأوراق عن أمها الشجرة كي تسقط إلى الأرض وتتعرى الأغصان، وتدخل الشجرة دورة موت وحياة جديدة, إن الكائنات جميعاً تخضع لهذا القانون، بدءاً من الولادة والنمو، وانتهاء بالتحلل والفناء، وكلها عناصر داخلية بالدرجة الأولى، وقانون داخلي سرمدي أن الهرم لا يجلس بدون قاعدة، وأن المرض لا ينتشر دون انهيار الجهاز المناعي، وأن عود الثقاب يفجر برميل البارود لا وعاء الماء، وأن البعوض يخرج من المستنقعات، وأن الأمم يتم السيطرة عليها عندما تفقد القدرة على تقرير المصير، وعندما يفقد الأفراد روح الانتماء والولاء، وحس الدفاع عن الوطن فيتحولون إلى كم من البشر دون رباط هندسي محكم اجتماعي داخلي فيصبحون لا قيمة ولا قوة لهم، فالألماس يختلف عن الفحم بطبيعة التراكب الداخلي، ووحدة العنصر القاتم الأسود ولكن الترابط قلب الفحم ألماسا، والهباب صلابة، وأن القابلية للاستعمار هي التي تمهد للاستعمار، وانهيار الدول هو نتيجة طبيعية لفقدان العدل الداخلي قبل أن يتم الاجتياح الخارجي فرسول الله يقول (إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)..
 إن مشكلتنا داخلية بالدرجة الأولى، فلا ينفعنا أن نصب اللعنات ونكيل الشتائم بالقناطير علي تآمر الآخرين ضدنا فالغربان تحوم حول الجثث، وإن (كمال أتاتورك) لم يسقط الخلافة العثمانية بل وزع بطاقات النعي وتشييع الجنازة، وأن الحضارات تتهاوى بفعل الانتحار الداخلي قبل أن تغيب بالغزو الخارجي، وإن البلد الطيب يخرج نباته طيباً بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا، وهناك تبادل متقابل في التأثير من خلال حلقة محكمة متصاعدة بين تأثير العناصر الداخلية والخارجية، وثوب الخريف أوحى إلى داخل الشجر، باستعداد الأوراق للرحيل، وانفصلت الأوراق مع استواء عنصر النخر الداخلي وتفسخ وتحلل ارتباط الورقة بالشجر، فهوت إلى الأرض ميتة، لم يكن للورقة أن تسقط، لولا عملية النضج الداخلية، ولم يكن للمرض أن ينفجر لولا انهيار جهاز المناعة داخليا، فالعنصر الداخلي هو الذي يغازل العنصر الخارجي فيغريه بالقدوم وثورات الشعوب العربية لم تخرج على هذا القانون وهذا ما يجب أن تفهمه كل القوى السياسية والاجتماعية اليمنية وخاصة الثورية التغيرية.