بعد ساعاتٍ من الحياة في العالم الافتراضي "الفيس بوك"قضيتها في نقاشات مضنية عن أمن زائف وعبث منظم وبطولات مكسيكية وحكايات موتٍ لا تنتهي تعيشها "إب" المحافظة هذه الأيام، حاولت تناسي كل ذلك وولجت إلى نومي القصير عادةً... ماهي إلا لحظات حتى دخلت في حلمٍ مطول لم ينتهي إلا بانتهاء نومي.
حلمتُ أني أعيش في مدينة تأسر الأنظار وتأخذ الألباب، جمالها ليس ككل الجمال، تفتن الناظر، وتجعل الحليم حيران.
بساطها أخضر، وهواؤها نسيم، في صيفها تغتسل كل يوم، الوافد إليها حجيج والخارج منها عائدٌ إليها من جديد.
لا تتركها لوحدها، ولا تتركك بدونها، متمسكة بك حد الجنون، تعشقها لدرجة الهيام، تواعدك من غير استئذان، وتوقعك في شراكها بدون موعدٍ مسبق.
سألت من تكون هذه المدينة التي أعيش فيها الآن!!
قيل: هي "إب" مدينة الماء والجمال، فعشت فيها، واستمر حلمي، فحلمت أني أعيش في مدينة حضارية لا سلاح فيها ولا مظاهر مشيخية مصطنعة ولا مرافقين مدججين بالسلاح ولا عنف ولا فوضى.
مدينة لا يوجد فيها "قعشه" ولا أبو قعشه.. مدينة تأمن الخائف، وتنصر المظلوم، وتعّبد الطريق...مدينة لا لص فيها ولا مجرم ولا مهرب ولا انتحاري ولا حوثي ولا قاعدي...مدينة لا شارب خمر فيها ولا منتج له ولا محشش ولا قاطع طريقٍ ولا ناهب أرض ولا مستولي على تبه ولا "أمين الورافي" يدّعي ظلماً أنه أميناً عاماً وليس له من اسمه نصيب ولا محافظٍ نائم ٍ أو مسافرٍ أو معتكف.
مدينة القوي فيها ضعيف حتى يُؤخذ منه الحق، والضعيف فيها قوي حتى يُؤخذ له الحق.
انتهى حلمي.. فاستفقت من نومي كان ذلك صبيحة الأربعاء الموافق 24-4-2013م لأعيش يوماً جديداً بروتين تقليدي ممل كما هو عادة العمل المكتبي.
بكَرتُ للدوام وفي وقت فراغي انهمكت لإكمال كتابٍ أقرأه، استلهمت منه العشرات من الأفكار والمنشورات التي لا تزال برفقة سبيقاتها سجينة الصفحات "الكشكولية" والتي هي بمثابة سجنٍ مؤبد ٍ ومؤقت للعديد من الأفكار والكتابات والمقطوعات النثرية التي أكتبها لحظة ألم أو ساعة استلهام أو برهة هاجس.
بعيداً عمّا كتبته أو استلهمته وبعيداً عن سجن دفاتري ومعتقل صفحاتي، أعود إلى أصل الموضوع.
قبل الظهيرة كان الواقع غير الحلم...وصل إلى قسم الطوارئ شخصٌ مصابٌ بطلقٍ ناري ٍ بجوار العنق، كانت إصابته طفيفة.. حمدنا الله على لطفه به، أفادنا بأن إصابته كانت لطيفة بسبب اختراق نفس الرصاصة لجسد أخيه التي أردته قتيلاً وجاءته معزية وفقط.
إنها البداية...قتيلٌ ومصابٌ من مديرية السبرة.
عدّينا مرحلة الظهيرة وكنت قد قررت أن أكتب عن هذه الفوضى وعن هذا العبث، كانت الأفكار تراودني وتنهال مسرعة....رنّ جرس التلفون: اتصل بمندوب البحث هناك مصابٌ جديد بطلقات نارية....ياالله ما الذي يحدث اليوم!!قلتُ أنا.
بعد إجراءات الكشف والفحص تبيّن أن المصاب بحاجةٍ إلى عملية فتح صدر لاستخراج رصاصة بقرب القلب وعملية أخرى في مفصل المرفق المُهشّم.
ماهي إلا لحظات حتى تنقشع الرؤية وتظهر الحقيقة...
مواجهات دامية بين "آل الشبيبي" فرع بعدان، وبين أسرة "المتوكل" المدعومة بمددٍ حوثيٍ من خارج حدود المحافظة، أسفرت عن قتيلين وسته مصابين موزعين على ثلاثة مستشفيات أهلية ومستشفى حكومي.
قررتُ أن أبحث عن الحقيقة، والحقيقة متعبة الوصول إليها.
ما يجري ليس أمراً بسيطاً، هناك شيئ ما!! يستهدف أمن المحافظة التي عمل مدير أمنها العميد فؤاد العطاب وخلال فترة قصيرة جداً على تحقيق العديد من الإنجازات على مستوى الأمن العام والسكينة العامة ومكافحة الجريمة والكشف عنها
قبل وقوعها ومكافحة حمل السلاح، والكثير من الإنجازات التي يستحق عليها مع فريق عمله من الضباط والصف والأفراد البواسل من أبناء المؤسسة الأمنية كل الشكر والتقدير.
لكن الشيء الغير مبرر والغير مفهوم هو ما يحدث الآن من عودة لانتشار المظاهر المسلحة والفوضى الأمنية التي تعبث بالمحافظة من قبل المتمشيخين الجدد وحاملي الموت.
فليس بعيداً أن يكون هناك مخطط يُراد من خلاله لمحافظة إب أن تسقط في مستنقع الفوضى وبراثن العنف كما يحدث في محافظات قريبة، وهو ما يتطلب يقظة كبيرة من قيادة أمن المحافظة والتصدي الحازم لمثل هذه الحركات الرعناء واستعادة زمام الأمور.
لم تنتهي قصة الأربعاء الدامي عند هذا الحد وفقط... الأخبار تأتينا تباعاً...تقطعات...مواجهات في أسواق وأماكن عامة تسفر عن قتلى وجرحى...إفراطٌ في استخدام الرصاص الحي لشتى أنواع الأسلحة في مناسبات الأفراح والأعراس ما يسفر عنه إزعاجاً للسكينة العامة وموت ٍ طائش لا يستثني أحد!!.
يستمر مسلسل القتل والفوضى في إب ولا مُوقف له حتى الساعة.
ساعة كتابة هذا المقال ظهر السبت وأنا في بداية السطور الأولى يأتينا ضحية أخرى من ضحايا الرصاص الهائج من المتنازعين "الهمج"
لا أعتقد أن حلمي سيتحقق سريعاً في وقتٍ لازالت فيه "جيهان" وسفن الموت الأخرى تسرح وتمرح في مياهنا الإقليمية تصدّر آلات الموت ومعدات الدمار إلى صبيان الصرخة وتجار العنف.
منذ ذاك الأربعاء وأنا أبحث عن أمن، والأمن بجواري ولا أجده، أعيش بجوار ثكنة عسكرية تحمي مصاب (مطلوب أمنياً) من قاتلٍ محتمل أو هروبٍ وشيك.
فهل يا ترى سنرى إب يوماً ما بمثل حلمي!!... وهل سنجد الأمن يا رجل الأمن!!؟.
الواقع وحده من يُجيب.
محمد محروس
أربعاء إب الدامي.. وقصة البحث عن موطن ٍآمن 1675